من سمح لرجال الدين باحتكارك؟ أليس من الممكن أن يوجد صوابان؟ لم لا تكون الديانة اليهودية أو النصرانية صواباً ونكون نحن الأصوب؟ |
ظننتك نسيتني يومها، كوني لم أكن أبدا تقياً أو صالحاً أو حتى قديساً، لكن من قال أن الرب حكرٌ على التّقاة دون العاصين، أدركت تماماً بعد فترة أنك أقرب للعصاة منك للتّقاة. ألم تقل: ((وإذا سألك عبادي عني فإني قريب))؟ لم تقل وإذا سألك التّقاة عني، وأظن جل عبادك عصاة.
إلهي.. أعلم أني كنت أقرب إليك في طفولتي، إلا أني لازلت أحبك، صليت لك مرة في الكنيسة، وتركت لك رسالة مكتوبة في كنيسة أخرى. بكيت لبعدي، عنك وعن أشياء كثيرة، في كثير من المساجد، تحت المطر، وعلى امتداد البلاد التي عبرتها، وفي سجني قبل ذلك. لطالما خاطبك الناس كالبعيد وخاطبتك كالأقرب، لم أدخر رغبةً أو اعترافا في نفسي إلا وأسررت به إليك. كنتُ وحيداً وكنتَ وحدك معي، ولم أجد أقرب منك لأبكي وأعاتبه، فاعذر وقاحتي.
ربي.. لم أكن يوماً صوفياً رغم دهشتي من كم المحبة والجمال في علاقتهم بك، كما لم أكن سلفياً رغم إعجابي باستماتتهم بالدفاع عنك بشراسة، وتمسكهم بنهجك، لم أكن علمانياً ولا ملحداً رغم أني ألحدت مرة قبلاً، أو بتّ لا أدرياً عندها للدقة. نشأتُ في بيئة متدينة، وكان لي كثير من الأصدقاء من بيئات مختلفة، ما بين نصراني وعلماني وملحد، وبعض الصلة بالصوفيين، وقد جالست السلفية لزمن. كنت فضولياً دوما لأسألهم عن أشياء حساسة في اعتقاداتهم، لم أكن أنوي أن أبدل ديني أو مذهبي أو إلى ما هنالك، إلا أني ربما كنت أرغب أن أراك في عيونهم. كنت أردد دوماً جملة نبيك إبراهيم، حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، وأبتسم، متجاهلاً تصنيف الكثيرين لي قبلاً.
إلهي.. من قرر أننا وحدنا على صواب، ومن سمح لرجال الدين باحتكارك، أليس من الممكن أن يوجد صوابان؟ فكّرت بذلك طويلاً في طفولتي، لم لا تكون الديانة اليهودية أو النصرانية صواباً ونكون نحن الأصوب؟ ألم تكن اليهودية إسلاماً حين نزلت على أنبيائك، وكانت النصرانية أو المسيحية كذلك إسلاماً في وقتها؟ أليس من الممكن أن يحمل بعضهم في قلوبهم ولو بعض الإيمان؟
طوال طفولتي كان الجحيم أكثر حضوراً في أحاديث الكبار، لم علينا أن نخافك حتى؟ أظنني سأطيعك أكثر عندما أحبك، وأنا أحبك إلا أني خائف بعض الشيء. |
لا أدري، إلا أني فقدت عدائيتي تجاه اليهود وحذري مع النصارى منذ زمن، فلم أعد أجد اليهود أو النصارى سواء كما رسمهم أساتذتنا، كما أن المسلمين ليسوا سواء. لقد آذاني كثير من المسلمين، وساعدني كثير من النصارى واليهود، وبالنسبة لي الخير والشر نسبيان شديدان الاستغراق في الذاتية، وحقاً أصاب بالخيبة حين أتخيلهم في جحيمك.
إلهي.. أحبك كثير منهم بصدق، وامتثلوا مبادئك وتعاليمك في حياتك وسعوا إليك تقرباً باستمرار، وكثير من المسلمين لا يفعل. من جزم بأن كل المسلمين سيزورون الفردوس بينما يتعفن الباقون في جهنم، لا أدري إلا أني لا أظنك أنت.
إلهي.. لست أشك بتقديرك للأمور، إلا أني أكره إصرارهم على رسم صورتك بنمطية مفزعة، ترتبط سرمدياً بالعذاب والجحيم. طوال طفولتي كان الجحيم أكثر حضوراً في أحاديث الكبار، ولست أعني أبوي بالكبار إنما كل الكبار. لم علينا أن نخافك حتى؟ أظنني سأطيعك أكثر عندما أحبك، وأنا أحبك إلا أني خائف بعض الشيء.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.