شعار قسم مدونات

تقدموا عندما تقاعسنا

blogs-camera obscura
في شهر أغسطس-آب الماضي- قمت بزيارة في مدينة إدنبرة الأسكتلندية إلى أحد المراكز الجاذبة بشكل كبير للزوار والسياح، يطلق عليه "كامرا أبسِكيورا"،وقد دفعني شعور داخلي ممزوج بالحزن والسرور معًا بعد هذه الزيارة إلى أن أكتب هذه الكلمات، حتى نرى كيف تقدم الغرب على ظهورنا عندما تقاعسنا وأصابنا الوهن.
 

قد يدهش بعضنا عندما يعلم أن كلمتي "كامرا أبسِكيورا" مصطلح لاتيني معناه الغرفة (القمرة) المظلمة؛ وهي فكرة وضعها وطورها العالم البصري والفيزيائي المسلم أبو علي الحسن بن الهيثم المتوفى سنة 1040م، بعد جهد جهيد وتجارب مضنية.
 

علينا أن نعترف في الوقت نفسه أن هناك تقصيرًا كبيرًا من طرفنا في تعليم أبنائنا وتعريفهم بإسهامات العلماء المسلمين خلال العصور الذهبية للحضارة الإسلامية.

يتكون هذا المركز من خمسة طوابق، ويحتوي كل طابق على مجموعة كبيرة من المعروضات المبنية على الخدع البصرية، وعلى ما يتهيّأ للعين البشرية مما تراه نتيجة لاختلاف زوايا سقوط الأشعة وانعكاسها، والصور المنعكسة من المرايا ذات الأسطح المختلفة على الجدران والأرضيات، إضافة إلى الصورة الحية الملتقطة لأجزاء كبيرة من مدينة إدنبرة، من خلال الإشعاعات القادمة من خارج الغرفة المظلمة، والمُسقطة على المكان المخصص لها داخل تلك الغرفة المظلمة، وغيرها الكثير من المعروضات.
 

ولا يختلف اثنان على الروعة والبراعة والانبهار بما يراه الزائر لهذا المركز، لكن علينا أن نتوقف قليلاً بشيء من الحزن لنقول إن هذا المركز قد خلا من ذكر إشارة ولو واحدة للعالم المسلم ابن الهيثم، مع العلم بأن علماء الفيزياء والبصريات على اختلاف مشاربهم يتفقون على أن فكرة الغرفة (القمرة) المظلمة هي من إبداعات هذا العالم المسلم، وأن ما توصل إليه العلم في العصر الحديث من كاميرات بشتى أنواعها، إضافة إلى السينما والتلفاز، يعود الفضل فيها إلى ابن الهيثم وعبقريته، وهذا في الحقيقة اجحاف واضح للحضارة الإسلامية ومنجزاتها وابداعات علمائها على جميع الأصعدة.

وعلينا أن نعترف في الوقت نفسه أن هناك تقصيرًا كبيرًا من طرفنا في تعليم أبنائنا وتعريفهم بإسهامات العلماء المسلمين خلال العصور الذهبية للحضارة الإسلامية، وأثر هذه الإسهامات على أوروبا في تلك الأيام وفي أيامنا هذه.

علينا أن نفتخر أمام أبنائنا بأن ازدهار المجتمعات الأوروبية وتقدمها خلال عصر النهضة "من القرن الرابع عشر إلى القرن السابع عشر" إنما كانا من نتائج الاعتماد على ما أنتجته الحضارة الإسلامية من علوم ومعارف في شتى أصناف التخصصات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.