شعار قسم مدونات

تجارة الآدَمِية

blog الطائفية
تُجار الإنسانية..

طيلة العقود الأخيرة تطور مفهوم التجارة، طبعاً لا نعني تجارة المال بل نشير إلى تجارة العصر، تجارة الأخلاق والمبادئ، وهذه الأفكار تتطور تلقائياً في علاقة استقطاب ثنائي والعجيب أن هذا الاستقطاب لا يقوم كغيره على التنافر، بل تكون فيه الفكرة وليدة نقيضها، تجارة يخلق من رحمها تجارة منافسة.

هذا حالنا.. تجارة في التعاليم الدينية أسست لاستثمار منافس في الوطنية.. خلف الصراع بين الأطروحتين ولادة فكرة موازية أكثر تدميراً للوعي البشري ألا وهي تجارة الآدمية.. ولاستعاب هاته الظاهرة حاول الإجابة على الأسئلة التالية:

 

أوهموا عقولنا بأن الحوار بيننا لا يفضي إلا للعدم.. وما كان حقاً واحداً لأمة واحدة تناثر وأصبح جمعاً من الحقوق المتضادة، كل طرف يدافع عن حقه بهضم حق الآخر..

لما لا يرثي السني سوى السني؟ ولا يرثي الشيعي إلا الشيعي؟ لما نتحول جميعاً إلى حقوقيين إذا كان الحق المهضوم حقنا ونحول القضية إلى مآمرة إذا هضم حق غريمنا؟

لماذا؟ بكل بساطة، لأن مفهوم التجارة في هذا العصر تحول من مجرد آلية للكسب المادي إلى وسيلة لتحقيق النصر المعنوي، نشتري القيم و المبادئ بأبهض الأثمان ونفرط فيها بثمن بخس إذا كانت الغاية إحباط الغريم  وتحقيق النصر المعنوي المطلوب، بأن يرانا العالم على حق ..بأن يعترف بنا العالم.. نحن فقط.

 

على مدى ما يزيد عن ستين عاماً استثمر فينا الغرب كل طاقته لإنجاح هذه التجربة وقد كللت كل جهوده بالنجاح، فغنمت إسرائيل سلاماً دائم مع القيادة المصرية وسقطت العراق في هاوية الطائفية وتناثرت أرض الشام أشلاءً، و هكذا تكون الحصون الثلاث للعرب قد سقطت تحت شعار واحد.. "حقوق الإنسان".. وبالذات "حقوق الاقليات".. ومن المستفيد؟

إسرائيل أولاً لأنها الأقلية المقصود حمايتها، وطغاة العرب ثانياً.. والشعوب العربية مقسمة بين قتيل ولاجئ.. والبقية الباقية صدقت اللعبة وعاشت الدور على أتمه، فانقسم الشارع العربي بين مندد ومأيد.. المتخاصمان عربيان، القاتل عربي والمقتول عربي، والمستفيد.. مستعمر أجنبي.

لماذا؟ لأنهم عطلوا ملكة التفكير فينا، وأوهموا عقولنا بأن الحوار بيننا لا يفضي إلا للعدم.. وما كان حقاً واحداً لأمة واحدة تناثر وأصبح جمعاً من الحقوق المتضادة، كل طرف يدافع عن حقه بهضم حق الآخر.

والمرير أن الظاهرة لا تقتصر على تدمير خارجي مباشر بل هو تدمير ذاتي يشرف عليه العرب بأنفسهم.. يُأسس للأطروحة قادة الغرب، فيتبناها ساسة العرب، ويخوض الصراع شعوب العرب.

والنتيجة.. أن أضحت الملة مللاً، والطائفة طوائف، ومن كانت في يوم مضى أمة واحدة موحدة صارت حزيبات متخالفة متضادة المصالح.

هكذا انتهت وحدتنا.. ساسة اتخذوا من الدين تكأة للحكم، وقادة وجدوا القومية سبيلاً للسلطة، حتى صرنا جمعاً من الأقليات استثمر الغرب في غبائنا وباسم الدفاع عن حقوقنا كقُصَّر فقدنا كل أمل في الوحدة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.