شعار قسم مدونات

العرب وفوزهم اليتيم بجائزة نوبل للأدب

blogs-نجيب محفوظ

برغم كل الاتهامات والشكوك التي تحيط بالجائزة يبقى وهجها ساطعا كأفضل جائزة عالمية ينتظرها علماء وأطباء وفيزيائيون وكيمائيون واقتصاديون ورجال سلام وكذا الحال مع الأدباء مع بداية شهر أكتوبر من كل عام، فيتعرض الفائز بجائزة نوبل إلى اهتمام مبالغ فيه يصحبه إقبال على أدبه وتغطية إعلامية موسعة عنه وعن أعماله ومحيطه، حتى أسرته تدخل حيز الاهتمام كيف نشأ أين ومن أثر فيه وبمن تأثر حتى وصل إلى التتويج بمثل هذه الجائزة؟

وهذا ما حدث مع نجيب محفوظ فقد ضربت شهرته لدى إعلان اسمه عنان السماء وسعى العديد إلى إبداء آرائهم، وزاد إقبال النقاد والدارسين والقراء على زاده المكتوب والمصور، وسنتحدث عن ردود فعل بعض أدباء العرب بحيث نوضح الانقسام الذي حدث في الآراء.
 

وسنكتفي بآراء العرب لأن نجيب محفوظ ولن نتحدث عن ردود الفعل الغربية بناء على أسباب منها أن أغلب من يعرفه كأديب قبل فوزه بنوبل هم ثلة من المهتمين والمتخصصين في الأدب العربي، وكذلك بعض المستشرقين من مترجمين ونقاد عاشوا في مصر وبلاد العرب لفترة طويلة وتعاملوا مع مثقفينا وأدبائنا، بالإضافة إلى نزر يسير من الأدباء العرب المغتربين لا غير. ويؤكد هذا الكلام ما جاء في خطابه عند تسلمه جائزة نوبل "لدى إعلان اسمي مقرونا بالجائزة ساد الصمت وتساءل كثيرون عمن أكون فاسمحوا لي أن أقدم نفسي بالموضوعية التي تتيحها الطبيعة البشرية".
 

أغلب الآراء الوسطية شنت نقدها على جائزة نوبل وسياستها، ونأت بنجيب محفوظ عن اللوم والعتاب والشك في أحقيته من عدمها

المؤيدون لفوز نجيب محفوظ
يقول رجاء النقاش: إن نجيب محفوظ عبقرية عربية عالمية، وهو لم يقل في حياته إلا بما يؤمن به فما حققه نجيب محفوظ يعتبر نصرا للعقل العربي والقلم العربي والأمة العربية كلها وهو نصر كنا نحلم به جيلا بعد جيل، ولم يكن من السهل أن نحصل عليه لولا موهبة نجيب محفوظ وأحلامه الثقافية التي ضحى في سبيلها بكل شيء.
 

أما جابر عصفور فيرى أن الجائزة تأخرت عن نجيب محفوظ، وقال بأن إنجازاته أكبر "جاءت متأخرة ثلاثين سنة بعد أن حصل عليها كثيرون أقل قيمة من نجيب محفوظ، لكن هذا انتصار للحرف والإبداع وتكريم مشرف يستحقه منذ فترة طويلة". ولحامد أبو حامد رأي مفاده "إن جائزة نوبل1988جاءت تتويجا لمسيرته الطويلة التي تشكلت في عدة مراحل مهمة بدءا من المرحلة التاريخية وانتهاء بأصداء السيرة الذاتية".

هذا طبعا بعض من فيض الآراء المحتفية بنوبل نجيب محفوظ ونعلق عليها بالنقاط الآتية:

– اعتبار فوز نجيب محفوظ بنوبل نصر للأمة العربية و العقل العربي بأجمعه هذر وكلام غير منطقي.
– هناك من استخف بالجائزة مقارنة بأدب نجيب محفوظ الذي عدّ عبقرية منقطعة النظير،وكأني بالجائزة هي التي شرفت بنجيب محفوظ لا العكس. 
– لماذا لا يعترض العرب على باقي الجوائز النوبلية( فيزياء، كيمياء طب) ذلك أن كل إناء بما فيه ينضح.
 

على العموم كل الآراء التي تدخل في بوتقة المدح والثناء كان مبالغا فيها فالفوز بمثل هذه الجائزة في بلد من البلدان المتقدمة يحتفل به ولكن بعقلانية دون الإفراط في جعل هذا الفائز حامي حمى البلاد ضد المحتل و الداحر للأعداء، كما أن التعقل وإعطاء كل أمر قدره من المستحبات.
 

الفئة الوسطية
يقول حسن حنفي "على الرغم من الملابسات حول الجائزة فيرى أنها اعتراف به وبقيمته ولكنه يتساءل قائلا: إن نجيب محفوظ كتب أيام الناصرية الثلاثية وهي رائعة فلماذا لم يمنح الجائزة حينئذ هل اكتشفوا نجيب محفوظ؟".

أما الطيب صالح فقد عبّر عن سعادته لأن القائمين على الجائزة انتبهوا أخيرا أن هناك جزءا من البشرية وراءه تراث حضاري خصب، كما أعرب عن سعادته بفوز نجيب محفوظ على وجه التحديد ويقول أيضا "جائزة نوبل لا يعني الفوز بها أن صاحبها هو الوحيد الذي يستحقها إنها ليست امتحانا يفوز فيه الأول ولا يوجد فيه ثان وثالث هذه الجائزة فيها عنصر الحظ لكني فعلا سعيد جدا لأنه فاز بها أستاذنا نجيب محفوظ، ولم أقرأ أو أسمع أن نجيب محفوظ فعل أو قال شيئا يناقض قوميته العربية أو انتماءه العربي".
 

أغلب الآراء الوسطية شنت نقدها على جائزة نوبل وسياستها، ونأت بنجيب محفوظ عن اللوم والعتاب والشك في أحقيته من عدمها، فقد وضع حسن حنفي سؤال استنكاري في نهاية قوله له معنى بليغ "هل اكتشفوا نجيب محفوظ ؟" وفي هذا تشكيك واضح بمصداقية الجائزة وتأكيد شبهاتها، ولكن ذلك لا يعني أن نجيب محفوظ ليس قامة أدبية سامقة يجب الاعتراف به وبقيمته. أما الطيب صالح فقد رمى المسألة على الحظ وهناك أيضا من يعتقد أن فوزه تكفير من الجائزة عن سياستها العنصرية تجاه العالم العربي فتكريمه خفف الحنق العربي تجاه الجائزة بمعنى أنها صححت من مسارها عندما منحت له.
 

يجيب سامي اليوسف"يقينا أن نجيب محفوظ لم يمنح جائزة نوبل لأنه نقل خصوصيته المصرية إلى العالم، بل لأنه وقف على الحياد في البداية ولأنه لم ينحز إلى هذا الصراع"

المعارضون لنوبل نجيب محفوظ
أما الرأي المعارض فيثب معظمه لانتقاد نجيب محفوظ وآرائه السياسية تجاه إسرائيل التي كانت في نظرهم بوابته إلى الفوز بنوبل، أما عن أدبه فهناك حسب رأيهم نماذج أدبية في العالم العربي تضاهيه وتربو عليه مثلا سامي اليوسف يعتقد أن أفضل كلمة تصدق على الجائزة ومن فاز بها أنها لا تمنح إلا لمتملقي الغرب ومتمردي الشرق. وبالتالي للذين يعبرون عن الآراء التي توافق هوى الغرب وتتماشى مع دعواتهم نحو: العدالة الحرية، والديمقراطية، والتعددية،ونبذ التعصب هذه الكلمات الرنانة التي لا يطبقونها ويفرضونها على العالم الثالث.
 

يسأل سامي اليوسف: هل منح نجيب محفوظ الجائزة لأنه موهوب فيجيب "الجواب ينبغي أن يكون سلبيا لماذا؟ لأن شروط الحصول على نوبل ليس الموهبة إنما الموقف السياسي الراكع في العالم العربي، يقينا أن نجيب محفوظ لم يمنح جائزة نوبل لأنه نقل خصوصيته المصرية إلى العالم، بل لأنه وقف على الحياد في البداية ولأنه لم ينحز إلى هذا الصراع"، أما أبرز صوت عربي رافض فهو صوت "يوسف إدريس".
 

وجاء في أحد حوارات يوسف إدريس قوله: هناك فارق كبير بين أن تعطى الجائزة ليوسف إدريس وبين أن تعطى لكاتب آخر هو نجيب محفوظ، الفرق أن يوسف إدريس كاتب ذو رسالة محددة قومية واضحة له موقف من الحركة الصهيونية ومن إسرائيل، بينما ليس لنجيب محفوظ شيء من ذلك، أنا لو أخذت الجائزة لصنعت ما صنعه ماركيز أقاتل ضد الإمبريالية الأمريكية و الصهيونية والرجعية العربية ،هنا الجائزة فيها فرق كبير".
 

ويتبع كلامه بقول شديد الخطورة "هذه الحراولة -يقصد نوبل نجيب محفوظ- تتمثل في مغازلة الأدباء والشعراء والكتاب العرب بجائزة نوبل وحيث اختير للجائزة نجيب محفوظ اختير تماما على أساس موقفه" إذن أصحاب هذا الرأي يعتقدون أن الجائزة ليست جائزة أدبية بل أيديولوجية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.