شعار قسم مدونات

فيما اصطدمت مصر؟

blogs - egypt Army
هل الحياة هي فعلًا مجرد غابة؟.. يتسلل هذا السؤال دائمًا إلى نطاق تفكيري، ويشغل بالي بالبحث عن إجابة له.. إنه سؤال محيّر، وخصوصًا إذا كنت تعيش في مصر؛ لأن الإجابة بنعم أو لا ستلتبس عليك، وسيدخل اختيار آخر على الخط، ألا وهو أنك فقط تعيش في مصر وأن الحياة ليست غابة، بل هي تجربة لطيفة لكل البشر الذين يعيشون في دول متقدمة على المستويين، مستوى الإدارة ومستوى الثقافة.
في بقاع كثيرة من بقاع الأرض -لن أذكر اسمك يا أوروبا- لا يحتاج الناس إلى اتخاذ استراتيجية البقاء للأقوى حتى يستطيعوا التعايش مع بعضهم، فهم يحترمون بعضهم ويُقدِّرون مقامات بعضهم، ويلتزمون بحقوق بعضهم على بعض، على الأقل بنسبة أكبر من نسبة الواقع في مصر بدرجة كبيرة.. فلا نجد من يهين الآخر ويتعدى عليه بدافع أنه إذا تعامل بتحضر سيُهان.. هذه الشعوب تخطَّت هذا التفكير منذ زمن بعيد، تفكير القرون الوسطى هذا أصبح لهم تاريخًا محفوظًا في الكتب والمتاحف يذهب إليه السياح ليقضوا وقت فراغهم.
هذا التفكير هو أكثر تخلفًا ورجعية من تفكير الإنسان الحجري، فالإنسان الحجري لم يكن يتعدى على كل من حوله ويسحق كرامتهم حتى يبدو بمظهر جيد ولطيف، الإنسان الحجري لم يكن ينهب ويسرق قوت جيرانه وأقرانه كنوع من الإتاوة التى كانت منتشرة في مصر في السبعينيات والثمانينيات وما زالت تمارس حتى الآن في بعض المناطق الشعبية، وأحيانا يحدث ذلك من أفراد الشرطة أنفسهم.
 
ما الذي دفعها إلى الانزلاق في هوّة الفقر والجهل والهمجية وانحطاط الذوق العام؟ ما الذي حول مصر من بلد العلم والثقافة إلى بلد تصدر التخلف والهمجية؟ .. إنهم العسكر.

أصبح الكثير من الناس في مصر منعدمي الأخلاق والتحضر -ولا أقصد هنا كل الناس- وأصبح الذوق العام في الحضيض، فهذا الشعب كان يومًا يميل إلى سماع عبدالوهاب وأم كلثوم والشيخ إمام، والآن أصبح يميل لسماع "فيلو" و"أوكا وأروتيجا"..


كما انحدرت الأخلاق، وأصبح التخلف هو السائد، فعلى سبيل المثال لم تعد النساء تأمنَّ السير بمفردهن في الشوارع خوفًا من التحرش المستشري في أرجاء العاصمة وغيرها، وعندما أقيمت المبادرات والفعاليات مؤخرًا للحد من هذه الظاهرة، لم تستطع القيام بأي شيء وانتهت مثلما بدأت، وكان آخرها مبادرة "عيد بلا تحرش" التى أقيمت في عيد الأضحى الماضي، ثم انتهت بعدها بفترة وأصدرت بيانًا مفاده أنها توقفت لأن أعضاءها أنفسهم تعرضوا للتحرش.. لا تتعجب.. إنها ليست مزحة.. هذا بالفعل ما قاله أعضاء الحملة المقامة لمناهضة التحرش.

إن كنت من قاطني الأحياء الشعبية أو المناطق الريفية فسوف تواجه مساعٍ عديدة من المحيطين للتدخل في شؤونك، وستجدهم يبدون آراءهم في أكثر الأمور خصوصية بالنسبة لك؛ حيث أن ثقافة احترام الخصوصيات قد اندثرت منذ زمن في تربة هذه المناطق.. وإن خالفت آراءهم واتبعت هواك، فلن تسلم من ألسنتهم التى ستطولك وتطول عقلك الذي يظنون به الظنون، فحتى ثقافة احترام الآراء غير حاضرة في أذهانهم.
وإن كنت من قاطني المدن، فلن تسلم من المواقف المحرجة التي ستكشف لك مستنقع الوحل الذي نحن غارقين فيه.. فإن كنت مثلًا تنتظر في دورك في طابور هيئة حكومية أو هيئة خاصة فستلاحظ محاولات عديدة لاختراق النظام، وستشاهد أشخاصًا يحاولون أخذ أدوار الآخرين، وحتما ستواجه مشاجرات مع من يريد أخذ دورك.
وإذا كنت ممن أنعم الله عليهم بسيارة، فنصيحة مني لا تقُدها سوى وبحوزتك بعض الفكة، ليس لأن السيسى سيطلبها منك لا سمح الله، ولكن لأنك ستـُـرغم على تنظيف سيارتك دون أن تَطلُب، حيث إنه إذا توقفت بسيارتك فى أي مكان سينتهز شخص هذه الفرصة ليمسح زجاج سيارتك، ثم يطالبك بعدما ينتهي بأجره، وإن لم تكن تمتلك بعض الفكة لتعطيه إياها سيعرضك للإحراج، وسيتعامل معك على أنك قد سرقت قوته، وليس من البعيد أن يتشاجر معك.
 
وإذا دخلت يومًا محلًا لتشتري شيئًا، ثم أخرجت نقودًا لتدفع ثمنها، ستُفاجأ عندما تجد البائع يأمرك أن تبحث له عن بعض الفكة؛ لأنه إذا أعطاك باقي نقودك ستنفذ الفكة عنده، وإن أخبرته أنك لا تملك، سيأخذ بضاعته ويقول لك بكل سماجة "لن أبيع لك شيئًا".. لماذا؟.. لأنك لا تملك فكة!.. هذا الانحطاط فى التعامل.. هذا الأسلوب المنفر لا تجده سوى في أم الدنيا، وهو شىء بديهي وطبيعي لانعدام الثقافة، وانتشار الفقر والمرض بين الناس.. لا تلوموهم، بل لوموا من خلق ظروفًا لا تـُفضي إلا إلى هذا الحال.
لوموا من نهب قوتهم وحرمهم من حقهم في حياة كريمة، لوموا من حرمهم من مقومات الحياة البسيطة.. هذا الشعب كان يضـُرب به المثل في التحضر والرقي.. مصر التي هي من أقدم الحضارات التي عرفتها البشرية.. ما الذي أودى بها إلى هذا الحال؟ وإلى هذه الدرجة؟.. ما الذي دفعها إلى الانزلاق في هوّة الفقر والجهل والهمجية وانحطاط الذوق العام؟ ما الذي حول مصر من بلد العلم والثقافة إلى بلد تصدر التخلف والهمجية؟
.. إنهم العسكر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.