شعار قسم مدونات

البذرة

blogs - journalist

جذبتني تدوينات كثيرة في أوّل يوم على هذا الموقع، خصوصها أنّها تدوينات شخصية تحكي تجارب مماثلة لتجربتي غير المكتملة، سررت جدا بأنّ تلك التدوينات كان بينها وبيني شيء مشترك ألخّصه في كلمتي "الإرادة والحب" هاتان الكلمتان متلازمتان، الواقع أثبت ذلك وكذلك التجربة، ماحكاه أحمد عاشور والجميلة أحلام مصطفى.. دليل على تجارب شتى تصب في نفس الأمر.

أنا طالبة إعلام اخترته عن قناعة وحب ودخلته ببكالوريا علمية، كان دافعي دوما إصلاح إعلام البلاد أو حتى تشكيله من القاع، كنت قبل عامي العشرين أؤمن بهذا جدّا بعد اختلاطي عن بعد وقرب وبعد دراستي للإعلام اصطدمت بأمرين متضادين : محاولة المحيطين بنا تحطيمنا وتقزيمنا وحتى طمس وجودنا والجانب الآخر كانت مقاومتي للأمر تكبر أكثر …

كان هدفي دوما الإعــــــــلام الميداني، الذي حرمت منه واقعا فكان الفضاء الإلكتروني مهربي

لم يستطع أحد تشكيكي في أنّي خلقت لهذه المهنة، رفضت أن أصبح أستاذة جامعة في فرع الإعلام رغم أني أملك الشهادة التي تسوقني آليا لذلك وبأريحية، كان هدفي دوما الإعـلام الميداني، الذي حرمت منه واقعا فكان الفضاء الإلكتروني مهربي، رغم محاولاتي الكثيرة الفاشلة منذ سنّ صغيرة لمجرد الحصول على عمل في هذه المهنة باءت كلها بالفشل.

ربّما لأنّ رؤساء التحرير هنا في الجزائر لا يؤمنون بالقلم بل بمن يحمله أكثر، أعلم أنّي لست الوحيدة التي تعاني من هذا الأمر من هذا الطريق الذي أجبرونا عليه، لكني لم ولن أنصاع للصمت، أثريت تجاربي بما كان في إمكاني ومن بينها العودة للتدوين مع الجزيرة بعد موقع الجزيرة توك، وخضت العديد من الكورسات الالكترونية مع صحافيين عرب وفي جامعات أجنبية ، كنت أكبر بالتجربة لكني لم أنس يوما أنّ اسمي غير موجود في خارطة الصحافيين في وطني.

لا علاقة للأمر بحبّ الظهور ولا بالشهرة، بل بالهدف وبالرغبة وبالحلم، سأحكي تجربتين صغيرتين رغم أنّ إحداهما لا تستحق التعرّض لها أساسا لكنيّ إنسان لا يستعرّ من تجارب تصنع فيه تمسّكه في ظلّ كل هذا التهميش المسلّط عمدا على أقلام تؤمن بنفسها.

التجربة الأولى كانت قبل سنوات حينما اقترحني أحد الطيبين على رئيس تحرير جريدة محلية مغمورة، أخبرني أن أرسل مقالا، أرسلته أعجبه فنشره، في حديث قصير بيننا أخبرني أني أملك مستوى تحريريا يفوق مستوى العاملين تحت إمرته حتى ..وتشجيعا لي سينشر لي مقالات أخرى متى ما أردت، شكرته لأنني قلّما أجد مشجعا من رؤساء التحرير الذين يحيطون أنفسهم في بلادنا بقلاع وكأنّك ستقابل قيصر زمانه، رفضت بأدب قائلة أنّي مللت النشر المجاني بحاجة لأن أخوض تجربة العمل لاكتساب الخبرة وللاحتكاك الميداني الذي صار ضروريا للاعتراف بي في هذه المهنة المتعبة وافترقنا.

تجربتي الثانية مقرفة جدّا بعد سنوات أبقيت فيها على حبي للإعلام وممارسته حرّا، توجّهت إلى جريدة محلية في ولايتي، كانت قد ظهرت للوجود مؤخرا، عرضت على رئيس تحريرها كتابة مقالات مجانا وكتابة العمود الصحافي الذي أحسب نفسي أمارسهما بسهولة رجوعا لحبي لنمطهما الصحافي، كان دبلوماسيا مقيتا لدرجة السذاجة رأى أنّه من الغرور أن أطلب طلبا كهذا وأنا بالنسبة له مجرّد فتاة هاوية شهاداتي لا تعني شيئا ولا ممارستي الحرّة أمام ترخيص فتح جريدة الذي يمتلكه.

رغم عدم حصولي على عمل أكسب من خلاله الاعتراف بي كصحفية إلا أنني كنت في كلّ مرة أكسب نفسي

غادرت مكتبه بعد أن رفض طبعا، وعدت إليه مرةّ أخرى بعد سنتين لأنّي كنت أحاول تغليب مصلحة ولايتي على مصلحتي الخاصة وقوبلت بنفس الشيء، هنا في بلدي الجزائر والبلدان المتخلفة الأخرى لن يعترفوا بموهبتك وشهاداتك مالم تمتلك سيرة عمل في وسائل محلية، لا يعترفون بالتدوين ولا بالجرائد الإلكترونية ولا بوجود صحافة حرّة تمارس من خلال النت وغيرها دون تبعية لوسائل اعلامية، عدت أدراجي بعد أن تأكّدت أنّ من لا يؤمن بوجود ما ذكرت في عام 2016 م ميؤوس من الاتحاد معه للخروج بإعلام وصحافة أفضل …

منذ أن خضت هذا النموذج من التجارب ورغم عدم حصولي على عمل أكسب من خلاله الخبرة والاعتراف بي كصحفية إلا أنني كنت في كلّ مرة أكسب نفسي ، موهبتي التي أؤمن بها حدّ الهوس .

أهدي لمن عايش نفس هذه التجارب العبارة الجميلة الآتية: يحاولون دفننا ونسوا أنّنا بذور، فأنا بذرة يا رؤساء التحرير في بلدي ومدة دفني لغاية اليوم ثمان سنوات في دراسة الإعلام وأكثر من نصف عمري في الكتابة وعلى التاغنانت باقون .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.