شعار قسم مدونات

القنبلة التي غيرت حياة ابنة الفلوجة للأبد

blogs - U.S. Air Force

عندما كان الأمريكيون يقاتلون لإحكام السيطرة، على مدينة الفلوجة، قبل اثنتي عشرة عاماً، كانت حياة إحدى الفتيات العراقيات تتغير وإلى الأبد، بعد أن أصيبت إصابة بالغة في غارة جوية أمريكية.

في 14 نوفمبر 2004، وفي الوقت الذي أعلنت فيه قوات المارينز الأمريكية سيطرتها على مركز الفلوجة، وأحيائها الأخرى بالكامل، كانت شهد الدليمي تفيق من غيبوبتها في المستشفى.

وجه أمها كان أول ما رأت عيناها، وهي تنظر إليها على سريرها، كانت أمها تحاول إظهار تماسكها، لكنها بدت مرتعبة ومرتبكة، فابنتها الجميلة ذات التقاطيع المصقولة والملامح الدافئة، محاطةٌ بشبكة من الضمادات الملطخة بالدماء.
 

كانوا يختبئون في زاوية ضيقة تحت سلم منزلهم من قنابل الطائرات، في هذا المكان على الأقل لا يرون تلك القنابل، لكنهم كانوا يشعرون باهتزاز الأرض داخل أجسادهم بشدة.

كان أخوة شهد وأخواتها موجودين هناك أيضاً، كانوا صغاراً لا تسمح لهم عقولهم بإدراك ما كان يحدث، أحست شهد أنهم مرتعبون كما الأم، إذ أن أختهم الكبرى المشاكسة والمفعمة بالحيوية، ظلت غائبة عن الوعي لأكثر من ثلاثة أيام، كانوا جميعاً خائفين من ألا تفيق من غيبوبتها أبداً.

بدا كل ذلك كشريط من اللحظات في أجزاء من الثانية، بين آخر لحظة قضتها في الفلوجة واللحظة التي أفاقت فيها وهي مكبلة بالضمادات والأسلاك الطبية على سرير المستشفى.

ثم شعرت بالألم، لا تتذكر شهد أول مرة لاحظت فيها أن ساقها اليمنى مفقودة، بدءً من منطقة الركبة، إن فكرة تغير حياتها إلى الأبد في الحادية عشر من عمرها أكبر من استيعاب طفلة في سنها.

بالنسبة لطفلة لم تشعر في طفولتها إلا بألم الجراح البسيطة والكدمات، كان التفكير في مدى الألم أمراً غاية في الرعب، وكأنك تعيش في عالم من الأوجاع لا يوجد فيه شيء سوى الألم والرعب.

كانت شهد تحتمي مع أفراد عائلتها في مزل بسيط جداً عندما دكت طائرات أمريكية حي نزال الواقع في الجهة الجنوبية لمدينة الفلوجة، لكن "تحتمي" ليست الكلمة الواقعية والصحيحة، فقد كان بيتها بجدرانه المتشققة وسقفه الواهي، ملجأً وهمي يثير السخرية والشفقة في لوقت نفسه.

كانوا يختبئون في زاوية ضيقة تحت سلم منزلهم من قنابل الطائرات، في هذا المكان على الأقل لا يرون تلك القنابل، لكنهم كانوا يشعرون باهتزاز الأرض داخل أجسادهم بشدة، يلحظون ذرات التراب وهي تتسلل عبر النوافذ الى داخل غرفهم ويسمعون الشظايا وهي تمطر الجدران.

صوت الانفجارات هو الشيء الوحيد الذي يسلب الحواس ويسرق الشعور، فعلوه الذي يملأ المحيط من حولهم يزحم الرؤوس، فلا مكان فيه للتفكير والإدراك.

وفيما كانت القذائف والقنابل تهوي بطريقة "مجنونة" ودوي الانفجارات واهتزاز الأرض يشتد باضطراد، قررت شهد ومن غير تفكير أخذ أختها فاطمة، والهروب من المنزل.

كانت هي وأختها فاطمة تجريان وهما مسلوبتا الحواس شعورياً للابتعاد عن صخب الضوضاء، تلاحقهما أصوات الانفجارات، روائح البارود، وتذكر شهد أنها ظلت تجري وتجري.. حتى وقع الانفجار الأخير.

وإذا سألتها لما قررت الهروب من المنزل وترك ملجئهم الصغير والمتهالك، وأين كانت تتجه، فإنها تهز رأسها متأملة، وكأنها تنتزع الذكريات من بين الضوضاء والحيرة والرهبة.

أختها الصغرى فاطمة -التي كانت في الثامنة من عمرها- لاقت حتفها 
أما شهد فلم تعد تستطيع الجري مجدداً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.