بالنظر إلى الوضع الاقتصادي الأردني، تبدو صفقة الغاز مجدية إلى حد ما. لكني أرى أنها خاسرة سياسياً وإستراتيجياً على المدى البعيد.
لحكومة الأردنية أرادت –على ما يبدو- أن تفصل الانتخابات عن قضية الغاز الإسرائيلي وذلك لتجنب جعل تلك القضية المحور الأهم في ملفات المرشحين. |
وباستعراض سريع للوضع الراهن في الأردن، فإن الغاز اللازم لتوليد الكهرباء يمكن استيراده من خلال طريقتين: الأولى، عبر الأنابيب، وهي طريقة عملية وسريعة وتكلفتها متدنية. والخيارات المتاحة للأردن لاستيراد الغاز بهذه الطريقة تنحصر عملياً في العراق وإسرائيل. وبما أن الأوضاع السياسية والأمنية لا تسمح باستيراد الغاز العراقي، يبقى الخيار الإسرائيلي هو الخيار المتاح في الوقت الراهن. أما الطريقة الثانية، فهي نقل الغاز المسال عبر البحر، وهذه الطريقة عالية التكلفة. ويستطيع الأردن استيراد الغاز المسال من قطر أو أي دولة أخرى.
وبما أن الأمل بات ضعيفاً لإتمام محطات الطاقة النووية في الأردن لعدة أسباب أهمها الأسباب الأمنية والأوضاع في المنطقة، ناهيك عن مشاكل التكلفة والأمان ونقص المياه، يبقى خيار الغاز هو الخيار الإستراتيجي للأردن لتوليد الكهرباء. يدعم هذا الخيار صعوبة إنتاج النفط من الصخر الزيتي بسبب نقص المياه والتكلفة الباهظة للإنتاج. علاوة على ذلك، فإن مصادر الطاقة المتجددة كالشمس والرياح من المتوقع -في أحسن الأحوال- أن تغطي 10 بالمئة من احتياجات الأردن من الكهرباء بحلول عام 2020.
يرى كثير من الناس أن الحكومة الأردنية أعلنت عن صفقة الغاز في توقيت مقارب للانتخابات النيابية، وهو توقيت مناسب كون الرأي العام الأردني سيكون منشغلاً بالانتخابات. لكني أرى أن الأمر ليس كذلك تماماً، فمن المعلوم أن الإعلان عن صفقة الغاز جاء بعد الانتخابات النيابية، وتحديداً في 26 أيلول. والحكومة الأردنية أرادت –على ما يبدو- أن تفصل الانتخابات عن قضية الغاز الإسرائيلي وذلك لتجنب جعل تلك القضية المحور الأهم في ملفات المرشحين، وهذا من شأنه أن يخفف ردة الفعل الشعبية.
أرى أن حل المشكلة في الأردن يكمن بالضغط على المنظمات الدولية والدول المانحة لأخذ مساعدات مالية مباشرة لإتمام بناء محطات الغاز المسال في العقبة. |
في الوقت الحالي، سيقوم الأردن من خلال شركة نوبل إنرجي الأميركية باستيراد الغاز من إسرائيل على مدى خمسة عشر عاماً بواقع 300 مليون قدم مكعب يومياً مع خيار لشراء 50 مليون قدم مكعب إضافي. هذه الكمية الضخمة من الغاز تتطلب بنية تحتية غير متوفرة في الأردن في الوقت الحالي، وبما أن إيرادات الصفقة ستبلغ حوالي 10 مليارات دولار، فإن على الأردن دفعها سواء قام باستغلال الغاز أم لا. أما على الجانب الإسرائيلي، فتسعى إسرائيل جاهدة لتأمين زبائن آخرين من أجل تغطية تكلفة استخراج الغاز، سواء من حقل تمار أو حقل ليفياثان العملاق.
عموماً، ما تزال الأمور التجارية والسياسية بخصوص اتفاقية الغاز غير واضحة المعالم، و تبدو مشكلة الطاقة في الأردن معقدة خاصة مع وجود أعداد هائلة من اللاجئين الذين يشكلون ضغطاً كبيراً على مصادر الدولة ومنها الطاقة. ولحسن الحظ فإن انخفاض أسعار النفط عالمياً منذ ثلاث سنوات ساهم في خلق بعض الراحة خاصة أن الأردن بات يعتمد على المنتجات النفطية لتوليد الكهرباء.
لكن عمّان ستكون أمام مأزق حقيقي في حال ارتفاع أسعار النفط مجدداً. أرى أن حل المشكلة في الأردن يكمن بالضغط على المنظمات الدولية والدول المانحة لأخذ مساعدات مالية مباشرة لإتمام بناء محطات الغاز المسال في العقبة، لأن المنشأة الحالية عائمة ومستأجرة. فإنشاء ميناء غاز مسال متكامل يتيح استيراد الغاز من أي دولة في العالم خاصة قطر وقبرص. علاوة على ذلك، فإن هذا سيجنب الأردن الكثير من الضغوطات السياسية الإسرائيلية المحتملة حتى لو قدمت شركة نوبل إنرجي نفسها كطرف ضامن لاتفاقية الغاز. فالشركات لا تمنع إرادة الدول.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.