شعار قسم مدونات

إخوةٌ على زعمهم!

blogs - syria
لاشيء يعادل الوطن، أعظم المصائب أن يخرج الإنسان من أرضه التي تربّى فيها وزرع ذكرياته الصغيرة في ترابها، ويدير ظهره للماضي والحاضر متجهًا نحو مستقبل مجهول، يخرج وفي جعبته لا شيء سوى القهر الذي حمله وهو في الطريق نحو اللجوء، أصعب ما في الأمر أن يكون البقاء والخروج خيارين يتركان في القلب غصّة. في الوطن تشرق روح الإنسان، وتغيب عند أوّل خطوةٍ يخطوها مبتعدًا عنه. 
 
إذلال اللاجئ في بلادنا العربية جعله يترحّم على أيام كان يبيت ويصحو فيها على هدير الطائرات.

أن تجبرك ظروف الحياة أن تعيش اللجوء بمرارته شيء، وأن يسعى أبناء جلدتك لإذاقتك المرّ ضعفين شيء آخر، فالفرق بين لاجئ في الشرق وآخر في الغرب حياة، لم يسقط مسمّى اللجوء عن الشعوب الخارجة من أرضها رغمًا عنها في كلا الحالتين، لكن الفرق يتجلى في الإذلال الذي يُمارس بحقهم بعد أن يصبحوا "لاجئين".

المحظوظ من الناجّين ليس كونه ناجيًا من حرب راحت تطيح بالحجر قبل البشر ولكن الناجي الحقيقي من أسعفه حظه أن يكون ممن غادر بلاد العرب إلى بلاد الغرب، من استطاع منهم أن ينجوَ بكرامته قبل روحه، من حافظ على رأسه مرفوعًا رغم القهرالذي عاناه في بلاده، وهو يعلم أن أبواب الصديق والقريب لن تفتح له وقت محنته، فإذلال اللاجئ في بلادنا العربية جعله يترحّم على أيام كان يبيت ويصحو فيها على هدير الطائرات، ناهيك عن من تمنّى الموت على العيش في "الإمبراطورية العربية".

لمّا نال اللاجئ نصيبًا لا بأس به من العنصرية العفنة في البلاد التي كانوا يتغنون بها "بلاد العُرب أوطاني"، ذهب يبحث عن أوطان ما وراء البحار، فدفع بنفسه إلى قطع آلاف الكيلومترات سيرًا في الغابات وعبوارًا للبحار في قوارب الموت بحثًا عن حياة، وافتراش الأرض والتحاف السماء في أشدّ أيام السنة حرارة وأشدّها بردًا وفضّل المجازفة بروحه على البقاء في أرض انعدمت فيها الإنسانية واستُهين بكرامته بين إخوانه.

كلاجئين نفضّل البقاء في كنف الغرب حفاظًا على ما تبقى من ماء وجهنا بعد الذل الذي عايشناه وعايشنا في "بلادنا".

ما المأساة التي يعيشها اللاجئ اليوم إلّا بسبب زمرة من السياسيين العرب أصحاب الأموال والأرصدة ذات الأربعة عشر رقمًا أو يزيد، بفضلهم بات الوطن العربي حفرة من العنصرية التي ما توقفت منذ النكبة الفلسطينية حتى النزوح العراقي فالحرب السورية.

وآخر من تحدّث بنَفَس عنصري بحت وزير الخارجية اللبناني الذي نسي أن أبناء وطنه يهاجرون من أرضهم طوعًا غير مرغمين لانعدام الحياة فيها، ففي البرازيل وحدها ما يقارب العشرة ملايين لاجئ لبناني، فإذا كان اللبناني يهجرها بكامل إرادته، فلن يتمسّك لاجئ مُهان بالبقاء فيها!
‏‎
لحين أن يشاء رب العباد إلى أن يعود كلٌّ إلى وطنه، فإننا كلاجئين نفضّل البقاء في كنف الغرب حفاظًا على ما تبقى من ماء وجهنا بعد الذل الذي عايشناه وعايشنا في "بلادنا".

فلا الخطابات تروي ظمأ العطشى ولا تشبع الجوعى ولا تقي من لسعة البرد ولا حرّ الشمس ولا تعيد للإنسان كرامته المسلوبة على أعتاب وطنه العربي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.