شعار قسم مدونات

أيلول الأردن.. وكأنه عام!

blogs - jordan
لم يكن في البال أبدا، هذا الذي مر على الأردن في أيلول 2016، لم يكن شهرا عاديا بطقوسه السياسية والاجتماعية التي ألقت بظلالها الثقيلة على الشارع الأردني، وعلى أحاديث المقاهي الشعبية، كان حديثا واحدا، حتى في مساجد البلاد، ولم يتوقف هذا الحديث حتى الآن في صالونات الدولة ولا حتى في الصالونات النسائية.

أيلول هذا العام أخرج مجلسا نيابيا لا يعول عليه كثيرا، إلا أنه ربما يكون ذو صبغة سياسية جديدة بمشاركة الإخوان المسلمين.

الانتخابات البرلمانية: مرشحون، أصوات، وصناديق مسروقة. 
خاض الأردنييون من الرمثا إلى العقبة ماراثونا طويلا في سباق الانتخابات، هذه الانتخابات التي زوقت ولونت بكل ألوان المصداقية والشفافية قبيل إجرائها. في يوم الانتخابات، والذي كان بعيد نصف أيلول، بعدما أعلنت الحكومة عطلة رسمية لأسبوع كامل، علّ وعسى أن تخرج بنسبة تصويت عالية، أو أن يمل الشعب من البيت فيخرج للتصويت، وبالحالتين ستكون راضية. وأثناء تواجدي في أحد فنادق العاصمة عمّان لحضور مؤتمر صحفي لمؤسسات المجتمع المدني، سمعت صوتا مدويا قادما من باب القاعة الرئيسية، إنها النائب السابق هند الفايز، والتي بدأت تصرخ بكل طاقتها وهي محاطة بعدد من الحرس المسلحين، كانت هذه اللقطة متوقعة في يوم الانتخابات الذي مر دون أن نرى أي مشهد درامي.

كانت هذه اللقطة هي لقطة الانتخابات المعتادة والروتينية، إلا أنها هذه المرة تأخرت قليلا إلى آخر اليوم، اقتربت منها وطرحت عليها العديد من الاسئلة في حوار صحفي مفتوح ومباشر أمام الرأي العام المتابع عبر مواقع التواصل الاجتماعي للبث المباشر، قالت أن هناك أكثر من ثمانية صناديق سرقت في البادية الوسطى، وأن الانتخابات مزورة وغير شفافة، قالت ما قالته الفايز، الآن هناك 130 نائبا في البرلمان، هي ليست واحد منهم! فالدولة تغير رجالاتها، وكذلك المجلس والشعب، يغيرون أصواتهم في بضع سنين، أيلول هذا العام أخرج مجلسا نيابيا لا يعول عليه كثيرا، إلا أنه ربما يكون ذو صبغة سياسية جديدة بمشاركة الاخوان المسلمين، الذين قاطعوا لسنوات هذه العملية.

مقتل ناهض حتر: صدى صوت الإرهاب في الأردن.
الدين أصبح مادة دسمة للباحثين والمحللين في الأردن، فالدين الذي كان في تاريخ هذه البلد هوية ثقافية مثله مثل العادات والتقاليد، أصبح اليوم موضوع جدل في دولة مثل الأردن تحاول الحفاظ على وسطيتها في مثلث دموي تقتل الشعوب بعضها باسم هذا الدين.

الكاتب ناهض حتر، مسيحي الدين وعلماني الفكر، أثار قبل فترة موجة عارمة في الأردن بسبب مشاركته منشور على فيسبوك، يتضمن كاريكاتير مسيء للذات الالهية، وصفه بأنه يمثل الفكر الإرهابي وطريقة تعامله واستغلاله للدين، إلا أن الحكومة وجدت نفسها في مأزق أمام الأصوات الدينية التي تعالت ضد حتر، فقامت بالتعميم عليه ووصفته بأنه فار من الحكومة حتى سلم نفسه طوعا، وفي أيلول 2016 وأثناء دخوله قصر العدل الذي يعتبر أكبر مؤسسة للقضاء في الأردن تقدم رجل من حتر وأطلق عليه النار وأرداه قتيلا، الدين كان السبب الأول في هذه الجريمة، القضية التي هزت الأردن وقسمته نصفين بين مؤيد لقتله ومعارض لفكرة قتل الأفكار وعدم قبول الآخر.

حتى الملك لم يسلم من أفكار وتوجهات البعض، فعند زيارته لبيت عزاء القتيل ارتفعت العديد من الأصوات التي قالت أنه لا يجوز زيارته وأصوات أخرى كان صدى صوت الإرهاب يفوح منها. أيلول هذا العام أعاد للأردنيين ذاكرة بعيدة جدا عرفت في الماضي باسم "أيلول الأسود" وكانت حربا أهلية بين الجيش العربي ومجموعة من الثوار الفلسطينيين الذي كان يطلق عليهم "الفدائيين". أيلول هو أيلول، ولكنه مرة كان حربا بسبب الإقليمية، واليوم حربا بسبب الطائفية، والأصوات تتعالى هنا وهناك حتى يسدل الحق ستارته ويعلو صوت الحق على كل الأصوات.

السياسيون في الأردن مثل أبطال الأفلام، هم نفسهم، ولكن في كل فيلم لهم دور معين، بطولة خاصة، وأسماء مستعارة يتم تجديدها حسب الدور المطلوب.

الشهيد سعيد العمرو: الكرك، أقرب طريق للقدس.
عندما كتب المؤرخون اسم كايد مفلح العبيدات على أنه أول شهيد أردني في فلسطين، لم يغلقوا الصفحة ولم يدعوا أن التاريخ انتهى، فالأردن ولادة للمقاتلين والشهداء والمدافعين عن قضايا هذه الأمة. الشهيد سعيد العمرو وكما وصفه الأردنيون "أقرب طريق للقدس.. الكرك" هذا الشاب الذي تمنى الصلاة في المسجد الأقصى فأعطاه الله طلبه، وأعطاه ما يطلبه كل عربي شريف وهو الشهادة على أعتاب الأقصى وبالقرب من قبر الشريف الحسين بن على مطلق الثورة العربية الكبرى.

الموقف السياسي كان خجولا جدا، ولكنه أصبح أوضح عندما ذهب وفد رسمي لجنازة السفاح الإسرائيلي شمعون بيريز، العمرو ليسهم أولهم ولا آخرهم، فالشعب ملّ من السؤال ذاته "شو صار بقضية الشهيد رائد زعيتر" التي طويت في الأدراج وراحت، والمقالات الصحفية ملّت وهي تكتب كل يوم عن وقت الإفراج عن البطل أحمد الدقامسة المعتقل منذ زمن مضى جدا بتهمة قتل مجندات إسرائليلات تهكمن عليه في صلاته.

حكومة جديدة: أبناء الوزراء وزراء، إلا من قتل.
صدرت الإرادة الملكية من القصر بتعيين رئيس وزراء جديد للحكومة، د. هاني الملقي، ابن الراحل فوزي الملقي رئيس أول حكومة في عهد الملك الحسين بن طلال، الملقي الابن كان موقفه محرجا جدا عندما عين وزيرا للنقل، اكتشف بعد تأديته لليمين الدستوري أنه قاتل سابق، وكان محكوما في السجن بسبب قضية جرمية أنقذه منها عفو ملكي في ذلك الوقت، بما يتخالف مع الدستور الأردني، وما يتخالف مع مناهج السياسية والحضارة. حكومة لا تعي من تعين، لم ولن ينتظر منها الشعب كثيرا سوى خبر واحد، ألا وهو موعد رحيلها.

أسماء تكررت على المشهد الحكومي، وتكررت هناك في مجلس الأعيان الذي عين أيضا في أيلول 2016، هذا الشهر الذي غير الحياة السياسية في الأردن، ولكنه لم يغير وجوه السياسين أبدا. السياسيون في الأردن مثل أبطال الأفلام، هم نفسهم، ولكن في كل فيلم لهم دور معين، بطولة خاصة، وأسماء مستعارة يتم تجديدها حسب الدور المطلوب.

أيلول 2016، عام مر داخل العام والأردن يتجدد بتفاصيله، والأيام تدور وتدور على أن تحدث هذه التفاصيل قفزة حضارية، أو لا سمح الله، ما لا يحمد عقباه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.