شعار قسم مدونات

في زواج الشرق (2)

blogs - wedding
هي جمل متفرقة، كتبتها ووضعتها نصب عيني أثناء مسيرة البحث عن شريكتي، اعتبرها البعض شروطا تزيد في تعقيد، واعتبرتها كسرا لشروط وعودة لأصل. أجمعها هنا مع بعضها لأول مرة ليلة عرسي، مذكرا نفسي بها، وفخورا بمن اخترت، لعلي أشرع في قسم آخر منها بعد زواج ميمون.

(تابع لما سبق)
7- "سؤالك خاطئ"، أجابني دون تردد.
– قالت خلال جلسة عائلية: أيام.. وسأعود لزوجي وللوجه الآخر من حياتي وشخصيتي.
– سألت: كيف؟
– قالت: لا يعلم شيئا عما ترونه أمامكم، لا يعلم هذا الجانب من شخصي، رآني مرة هكذا وسألني: أنت بخير؟ هو لا يدري أن ما اعتبره شاذا كان الأصل.
– قلت: تمثيل.
– قالت: لا، أتصرف كما يحب، وأظهر أمامه كما يريد، لا كما أنا!
– مرتاحة؟
– لا، الموضوع ليس سهلا!

لا أستسيغ أن تُخلع الزوجة -المستقبلية- من جذورها، من بيئتها، من علاقاتها الاجتماعية الممتدة، من موطنها – والموطن حيث القلب – لأجل "سواد عيون" زوجها.

أما صديقي المغرم بزوجته حد الثمالة، فخطّأ سؤالي حين استفسرت إن كان سيتغير قرار زواجه بشريكته لو كان أحد مقاييس الجمال الشكلي أضعف مما رآه حينها، قال لي: اخترتها كما هي.

أفهم أن يكون الاختيار من البداية قائما على رضا بالشخصية ككل، الشخصية الحقيقية كما هي وكما كانت حين رآها / رأته، أفهم أن يحب المرء شريكه كما هو، بمزاياه وعيوبه، وأن يظهر أمام شريكه كما هو، "صبة" واحدة دون نحت أو رسم، وأفهم صعوبة ذلك في الزواج التقليدي، لأنهما لا يريان بعضهما إلا بعد أن "يتجهز" كل منهما ليظهر أفضل ما عنده، يتجمل، ويتصنع،.. ويخفي الباقي تحت الوسادة!

لك أن تحدد ما لا يمكنك التعايش معه من عيوب، أما وإن – بعد ذلك- قررت، فلا تمثل، لا تتعب نفسك: لحظة عصيبة واحدة ستهدم كل شيء، تهوي بحياتك، وتنثرها هباء. تأنوا.

8- يا رجل!
– "سنة الحياة".
وبعد سنة:
-"مسكينة".
– !!

عديدنا قرأ "ساق البامبو"، الرواية التي ألفها الكويتي سعود السنعوسي وفاز عنها بالجائزة العالمية للرواية العربية عام 2013. استقت الرواية اسمها من قصة الكويتي المولود لأم فلبينية، والذي طمح بأن ينتقل للكويت ويعيش هناك كما هي نباتات البامبو المشهورة بشكل واسع في الفلبين، والتي تنمو سيقانها وتورق في أي بيئة وضعت، ولا تخلو العديد من البيوت – هنا في الأردن – منها كدلالة على ذلك.

لا أستسيغ أن تُخلع الزوجة -المستقبلية- من جذورها، من بيئتها، من علاقاتها الاجتماعية الممتدة، من موطنها -والموطن حيث القلب- لأجل "سواد عيون" زوجها بحجية "سنة الحياة"، الانتقال للعيش في مكان يحوي كل اللاشيء، وقضاء الوقت بين جدران المنزل، أو مع الحماة -إن كانت محظوظة- ، أو في جلسة مكرورة على شاطئ البحر نهاية الأسبوع برفقة الزوج لمدة "ساعة كاملة" تنتظرها كحلم طيلة الأسبوع، لهو أسوأ ما يمكن فعله للقضاء على الإنسان وهواياته وطاقاته وتوجيهها نحو حيز بعينه، .. قتله ببطء. يرتبط هذا -طبعا- بالصورة النمطية للزوجة الشرقية: الخادمة -"إلاّ قليلا"- ، ما يعني كونه فرعا لأصل مريض، لا يمكن النظر له دون الالتفات لبواعثه.

ليست جميع النساء كسيقان البامبو، المسؤولية مشتركة على الطرفين ليريا إن كان في الزوجة المقدرة على التكيف مع البيئة الجديدة ومن ثم الانطلاق، لا تحل الإشكالية بكلمة أو كلمتين: "هل بإمكانك؟" – "لأجلك سأفعل كل شيء"، السنون كفيلة بزلزلة ما بني بهشاشة، وتكرار الشكوى من الملل بعد ذلك لن يغير من شيء.

قلت له: ألا تشعر بأنك تقتلها؟
أجابني: "سنة الحياة"،
وعاد بعد سنة ليعلن شفقته عليها!

9- مما كان يذكر مرارا في مناهج المدرسة وضمن الدروس والخطب على المنابر ما يروى عن سعد بن الربيع أنه عرض على عبد الرحمن بن عوف عند قدومه مهاجرا من مكة إلى المدينة إعطاءه نصف ماله، وإحدى زوجاته! "ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فأطلقها حتى إذا حلت تزوجتها"، وطبعا يستخلص الواعظ من الحادثة معلومتين وسط أصوات التكبير: كرم بن الربيع، ولا تواكل بن عوف "دلني على السوق"، ثم يستمر تقمص الأدوار حتى النهاية: "هي لو طُلقت سترضى حتما بابن عوف، لعلو أخلاقه، ومهارته في التجارة، وكونه من خيرة الصحابة" .. إلخ.

كنت يوما في سيارة تاكسي، جاءت السائق مكالمة: "آه، أمم، حاضر، بردلك خبر"، أقفل الهاتف، سألني: "حواليك حد يستر على هالمسكينة؟ جارتها حكت معي"، وبعد صمت ونظرات، فتل شعر شاربه الكثيف، وتمتم: "ليش أدور على حدا؟ ما هّي أنا، شو ناقصني؟ بيت وبنقسمه نصين، واللي بطعمي نفرين بطعمي ثلاثة".

تغيرَ موقف الجيل الجديد من الزواج التقليدي، ربما، لكن الإشكالية ليست في الوسيلة، الإشكالية في سؤال الزواج أصلا!

العقل الجمعي اللاواعي -مرة أخرى- تجاه النساء بائس، يغص بثقافة "ربيها على إيدك" و"السمع والطاعة" و"سجود المرأة لزوجها" و"غضب الله على المرأة الناشز" التي صنعتها قصص وأحاديث ومرويات شعبية ودينية وتاريخية حشت أدمغة الذكور بما يدفعهم لممارسة سلطاتهم الإمبراطورية نحو زوجاتهم كجوار، كماكينات تفريخ، كسلع تستخدم وتهدى وترمى بعد أن تبلى، للمتعة والخدمة، وطبعا حشت أدمغة الإناث بقبول ذلك -على مضض- كونها "سنة الحياة"، و"بدنا نفوت الجنة".

تغيرَ موقف الجيل الجديد من الزواج التقليدي، ربما، لكن الإشكالية ليست في الوسيلة، الإشكالية في سؤال الزواج أصلا! أخي المفضال المبجل الكريم: لماذا تريد أن تتزوج؟

أذكر تماما سخط أحدهم على زوجته حين طلبت منه الالتحاق بدورة: "صارن بدهن يتثقفن بنات سين وصاد"، ودردشة آخر معي: "دراستها كلها عالفاضي، آخرتها لبيت جوزها". كما أذكر بالمقابل صديقا اشتكى من رفض إحداهن قبوله فقط لأنها ترى فيه عقلا أقل من عقلها: "ثقف نفسك وتعال"، وسؤاله: "يعني شو بدها؟".

أما تسويغ الطلاق فقهيا بكلمة من الرجل لا ترد، تنهي حياة المرأة في لحظة: معيشتها وعلاقاتها وروحها وانتمائها وذكرياتها، فيلزمه قلب كامل للطاولة.

10- ثم قال: "يا أخي صدقني، ستحيا معي حياة كريمة".
سألت: "بدافع ماذا؟".
فعمت فترة من الصمت.

لم يكن الإحساس بمحفز توفير الحياة الكريمة -لوحده- علامة على نجاح انتقائك شريكك، إن كان ثمة سائق يعمل لصالحك، أو خادمة تعمل في منزلك، فستحرص لأن تحييهم حياة كريمة، لكن بدافع ماذا؟
الحب أم المسؤولية؟

عند بحثك عن منزل أو سيارة أو حتى وظيفة جديدة، ستعرض عليك خيارات جيدة وأخرى ممتازة، لكن خيارا واحدا فقط ستسميه "الخيار" بألف ولام، وهو -وحده- ما ستتعامل معه بحب!

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان