أن تجلس على ذلك الدرج الملتف الكبير وتطالع تلك اللوحات الفنية المزخرفة على شكل أبنية حجرية، تراقب حركات الباعة وعيون المارة، أشخاص من مختلف الجنسيات والأديان صغار وكبار، لماذا اختاروا القدس ولم يختاروا غيرها.
تسأل هذه الأسئلة في سرك مبتسما لشعورك أن هنالك شيئا مختلفا بمدينتك، إلى أن يقع نظرك على مجموعة من الجنود بعتاد كبير يلتفون حول السور دون سبب لوجودهم غير عرقلة حركة المارة، أصوات ضحكاتهم العالية وذلك العلم الأزرق والأبيض الذي يرفرف عاليا يمزقان شغافك، ومع هذا أنت مجبر أن تصرخ دون صوت مسموع أو حركة مألوفة لأي أحد منهم.
هنا.. لي مثل شباب القدس أحلام، أحلامي كثيرة وعالية تطال الفضاء البعيد، سأحاول ترتيبها، لكنها تتزاحم، وكل حلم منها يطلّ برأسه ليكون الأول. |
أن تمد يدك لتأخذ ضمة نعنع من كفي بائعة عجوز فتلمح في تفاصيل كفيها تجاعيد تروي لنا ألف حكاية هناك، لتختصر علينا الكثير من الأسئلة حول خصوصية المكان وقداسته، عرق بائع الكعك وهو يجر عربة وزنها يضاعف كتلة وزنه النحيل ومع هذا الابتسامة لا تفارق شفاه المتشققة من ألم الحياة وصعوبة تحصيل لقمة العيش ليبقى صامدا داخل تلك الأسوار القديمة.
تلك الحقيبة الثقيلة على ظهر طفل لم يتجاوز العاشرة، يحملها بثقل لتحني ظهره محاولا اختصار الطرق ليصل إلى أقرب نقطة يستقيل منها حافلة توصله إلى مدرسته، والكثير من القصص الشيقة بعد، فتسع عشرة عاما ليست كافية بأن تتمعن بتفاصيل القدس ومن فيها، وأن تحفظ بعض الطرق الخفية والزقاق العتمة ومداخل المسجد السرية، ولكن كفيلة بأن تجعلك تحفظ أشخاص وقصص وتقدسها كمعلم من معالم هذه المدينة المختلفة.
على درجات باب العامود عند العصر تقريبا هذا الوقت بالنسبة للقدس هو وقت الذروة، حرارة الشمس خفت وبدأت الناس بالخروج لقضاء حاجياتها، جلست أطالع كتاب وأدون بعض الملاحظات، آخذ بعض الصور أحيانا وتارة أخرى أجلس دون أن أفعل شيء سوى التمعن بذلك الباب.. أغلقت عيني وبدأت أرسم في مخيلتي مستقبل القدس والشباب الواعد فيها، بدت المدينة لي كاللون الأبيض وفي الوسط تلك القبة الذهبية التي تخطف القلوب وتسرق الأنظار دائما.
أقلام وأوراق في كل مكان وكتب منوعة وروايات وقصص وحكم وتجارب كانت تملأ المكان، صوت الشاب المقدسي ومطالبه، حرية الإبداع وإعطاء الفرص الندوات التثقيفية والمؤسسات الداعمة، كتاب الأمل والتفاؤل على جدران قلب هذه المدينة وحضنها الواسع الذي يستقبل الجميع والكثير الكثير من الأحلام اللامتناهية والآمال المغروسة بي كشجرة هرمة وصلت جذورها آفاقا عديدة غير اعتيادية وروتينية كما الأحلام الأخرى.
هنا.. لي مثل شباب القدس أحلام، أحلامي كثيرة وعالية تطال الفضاء البعيد، سأحاول ترتيبها، لكنها تتزاحم، وكل حلم منها يطلّ برأسه ليكون الأول.. حسنا إذا سأبدأ بالحلم الأقرب: حلم الحرية، فماذا تعني الحرية لفتاة على أبواب العشرين، وكيف ستساعد مهنة الصحافة في تحقيقها.
الحرية حلمي الذي سأبوح به في التدوينة القادمة إن شاء الله..
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.