لحظات الانتصار الصغيرة عند الهجمة المرتدة، ذلك السر الذي لا يعرفه أحد، إلا من ذاق – ومن ذاق عرف-. لحظات الهدوء المُربكة التي تسبق الغدر، وسباق الخوف الذي لا ينتهي. ست سنوات، دائرة ليس لها نقطة بداية أو نهاية، ست سنوات كانت كافية وبشدة لاستهلاك أرواحنا. صدمتنا في نفوسنا وأحلامنا البريئة الصغيرة، التي مع الوقت اكتشفنا سذاجتها.
اكتشفنا أن العالم أكبر يوم ظننا أن استشهاد الشيخ عماد سيقلب الموازين، وأن العباسية شاهد على الغدر والفُجر كي يثور الشعب. |
لم نعد كما نحن، ولن نعود أبدًا أبدًا، لم تكن الصدمة في الوضع الحالي الذي وصلنا إليه، لم تكن بالسراب الذي تمسكنا به واكتشفنا فيما بعد أن أيادينا تحتضن الخواء، لنسقط من سابع سماء لسابع أرض، لا يد تسند ولا أمل يحاوط. لم تكن الصدمة في أصنام العجوة تلك التي صنعناها بأيدينا وأضفنا عليها قدسيتنا الخاصة، تلك الأصنام التي مع الوقت اكتشفنا خذلانها، وخيباتنا التي لا تنتهي مع سقوطهم واحدًا تلو الآخر.
الصدمة كانت عندما اكتشفنا أن العالم أكبر بكثير، أكبر من مبارك وطنطاوي، أكبر من أن الشعب يريد إعدام المشير، أكبر من الكذب، والوهم، والهتافات، والسير في الشوارع، والصراخ بلا كلل أو ملل. كان أكبر من أن يكون كل خوفنا من ترشح عمر سليمان للرئاسة، وأن براءتنا بعصر الليمون لانتخاب مرسي كافية. يوم ظننا أن استشهاد الشيخ عماد سيقلب الموازين، وأن العباسية شاهد على الغدر والفُجر كي يثور الشعب.
لن نتخطي ذلك الوجع أبدًا، إلا بالهجمة المرتدة القادمة، حتى وإن كانت زيفًا، حتى وإن كُنا يقينا نعلم أنها بلا جدوى. |
ما تبقى منّا كان من الممكن أن يظل، لولا ما تبعه من كذب المنافقين وغدر أصحاب الصف، خذلانهم وتناقضهم، شماتتهم في دمائنا. رصاصهم الذي إن لم يستطع قتلنا فأصاب أرواحنا، ترك بصمته بكل ركن فيها، ترك بصمته بملامحنا، تلك التي صار لك أن تميزها من بين الوجوه. أعيننا التي تعلمت القسوة، وصبرنا النافذ، قلوبنا التائهة، وحطام براءتنا التي كنا نحارب للبقاء عليها.
لن نتخطي ذلك الوجع أبدًا، لن نتخطاه إلا بالهجمة المرتدة القادمة، حتى وإن كانت زيفًا، حتى وإن كُنا يقينا نعلم أنها بلا جدوى. حتى وإن كانت نشوة نصر مزيفه مؤقتة، وإن كنا نعلم يقينا أن العالم أكبر بكثير من هجمتنا تلك، وأن ما تبقى بأرواحنا من مخزون الإرادة انتهى.
نحن في حاجة إلى أي نصر مؤقت، لنشوة الهجمة المرتدة تلك التي تحلق بنّا لأعلى، لنأخذ ما يكفينا، لنعرف أن نعيش ولو لساعة واحدة للقادم؛ لكي تستطيع أرواحنا التنفس مرة واحدة أخرى، حتى وإن كانت آخر أنفاسها قبيل وجع الارتطام بسابع أرض.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.