التقيت بصديقة لي، سيدة نرويجية، لكنها لا تضحك كعادتها، بل عانقتني وراح وجهها يرتجف كطفلٍ خائفٍ تائه، ما بالك يا عزيزتي؟ فردّت: توفي زوجي منذ قليل.
الجديد من الكاتب
تدفق المحتوى
الحب يقتص من أعمارنا عمرا ويجعلنا نعود أطفالا صغارا تبكينا الكلمة وتسعدنا شقيقتها، فتغدو الأنا أسيرة بوح الطرف الآخر، ولكنها في الوقت ذاته تهبنا عمراً فوق حياتنا.
لطالما أربكني الناس بسؤالهم “من أين أنت؟”، فبعض الإجابات حياة كاملة، وشريط إخباري تاريخي حزين، مليء بالأحداث السوداء، كنت ألتزمُ الصمتَ لثوان، وبعض الثواني دهر، وبعض الدهر سويعات قليلة.
سيبدأ حينئذٍ العرض، في حسابٍ دقيقٍ من رب الأرض، سيقفُ الطاغي أمام القويّ المتين، سيحاسب في كل صغيرة وكبيرة، سيعذب عن كل ألم تسبب به للناس.. سيقف الكافرُ أمام القادر.
رمضانكم يقف على الأبواب ويطرقها بكل لطف، ليحل ضيفا خفيفا، أما رمضاننا فإنه لا يأتي، ولا يقرع الباب، ومهما انتظرناه على شرفات المنازل ليال طويلة فإنه لن يأت على الإطلاق.
سنة ١٩٤٤، اقتحمتْ عصابات ستالين قرى الشيشان والانغوش، وطوقّت المكان، فظنّ أهل القرى أنّ تمركز الجنود هو بدايةَ احتفالات سوفيتية، لكّن الضابط وقفَ مخاطباً الناس عن قرارِ تهجيرهم إلى سيبيريا.
يفقدُ الحبُّ قيمته حينما يتحول إلى تسّول يُنظر إلى طالبه نظرةَ الفقيرِ المفلِس، ويفقدُ الحب قيمته حينما يتحوّل إلى توسّل يُنظر إلى صاحبه نظرة الضعيف الذليل.
محتجزٌ أنت داخل نفسك، كما الحرّ وراء قضبانٍ معدنيّة، تعثو وتعثو دون حراكٍ، كما الطيور في أقفاصٍ ذهبيّة، كما فؤاد احتلّه الحب، وكلمة ” أحبكَ” مُحتَجزةً في فمِ فتاةٍ شرقيّة.
من المؤسفِ أن تتركَ الحرب في أفئدتنا ثقباً صغيراً كلّما حاولنا طمسِه، ظَهرتْ أناشيدُ الوطنِ في مذياعِ السيارة، بل ومرّ على التلفازِ اسم الوطن، فاستيقظت الأشواق التي نامت في صدورنا.
ما يحقّق أحلامَنا هو إيجابيّتنا وطاقتنا، والإنسان وليد طاقته، فيُخلَق الإنسانُ مع عقلٍ سويٍّ يرافقه ولكنّه فيما بعد يكتسبُ النوعيّة التي ستحلُّ بهذا العقل، فإمّا أن يكون سلبيّاً أو إيجابيّاً.