كانت الحركة الإسلامية المغربية سباقة إلى الانتقال من براديغم “إقامة الدولة الإسلامية” إلى براديغم “الإسهام في إقامة الدين”، وهذا أدى بجانب تمسكها بالدستور المغربي إلى إخراجها عن إطار الإسلام السياسي.
محمد يتيم
مفكر وقيادي إسلامي مغربي
الجديد من الكاتب
تدفق المحتوى
يخطئ من يحكم على عقيدة أو فكرة أو مشروع إصلاحي بالإخفاق بسبب عدم استجابة مجتمع معين له أو مواجهته من قبل خصوم الإصلاح، حتى إذا كان ذلك من الغالبية المطلقة في ذلك المجتمع.
الخلافات المسلحة المبكر بين المسلمين يمكن تفسيرها بأمرين أساسين: غياب آليات سياسية متعارف عليها اجتماعيا لتقويم سلوك الحاكم ومحاسبته أو عزله؛ واستمرار سيادة منطق الشوكة والغلبة كثقافة عربية سابقة للإسلام.
يقدم التاريخ الإسلامي القديم والمعاصر عِبَراً دالّة على مقدار الضرر الذي ترتب على نقل قضية الإمامة من مجال السياسة الشرعية -أو المصالح المرسلة بالتعبير الفقهي الأصولي- إلى مجال العقيدة.
جائحة كورونا (كوفيد-19) -التي اجتاحت العالم واخترقت الحدود والفئات والطبقات- من الوقائع التي ستسجل إلى جانب وقائع أخرى عرفها القرن العشرون من قبيل الحربين العالميتين، وكذا الأزمة الاقتصادية لسنة 1929.
لا يزال البعض يطرح تعارضا موهوما بين الحاكمية والسيادة، إذ إن إسلاميين يعترضون على العلمانية والديمقراطية انطلاقا من تقريرهما دولة الإنسان وتأكيدهما سيادة الأمة، بينما يقرر الإسلام أن الحكم لله.
يجب البدء بتقرير حقيقةِ أن الإسلام لم يأت بتصور محدد لمفهوم الدولة بمعناها الحديث، فالدولة بمعناها الحديث هي نتاج تراكم في الخبرة البشرية، ونتيجة لتطور الفكر السياسي والدستوري والفلسفة السياسية.
تعارض نظريةُ الحكم الثيوقراطي التصورَ الإسلامي وقيمه الكبرى تعارضا ليس في جزئية ترتبط بتدبير المعيش السياسي للناس، بل إنه تعارض يمس مجمل المنظومة العقدية والتصورية التي تنشئها العقيدة الإسلامية لمعتنقيها.
بالرجوع لمصادر الإسلام الأصلية، وممارسات الخلفاء الراشدين، ونظر فقهاء السياسة المسلمين من القدامى والمُحْدَثين؛ نجد أن الثيوقراطية تتعارض كليا مع الإسلام أحكاما ومقاصد، ومع فلسفته الدينية وفلسفته السياسية على السواء.
هل يمكن في ظل المنظومة العقدية والفكرية والقيمية التي جاء بها الإسلام أن تكون الدولة فيها دولة دينية ثيوقراطية؟ أم إن تلك المنظومة الإسلامية أقرب إلى تقرير مبدأ الدولة المدنية؟