الخطوة التي اتخذها ترمب بشأن القدس نوع الصدمات الضرورية في التاريخ، التي تؤلم ولكنّها تزيل غشاوة العيون وتعيد طرح الأسئلة؛ ولذلك فإنها قد تعيننا على إعادة اكتشاف أنفسنا وتوضيح الطريق.
عبد الحميد الجلاصي
ناشط سياسي تونسي
الجديد من الكاتب
تدفق المحتوى
قبل سنة لم يكن من الصعب إصدار حكم إيجابي على الأوضاع العامة في تونس؛ فالمسار السياسي يتقدم رغم الصعوبات، وهناك تهدئة على مستوى جبهة الهوية على أرضية الدستور السمحة والمرنة.
ربما لم يشهد التونسيون صيفا بمثل هذه السخونة منذ 2013؛ فخلال الأشهر القليلة الماضية تحركت أشياء كثيرة بالتزامن، وتزاحمت الأجندات فكأننا أمام مخاض ما. وعلينا أن نسترجع الصورة لأجل الفهم.
في السنوات العشرين الأخيرة، مرت بنا أحداث جسام كان من شأنها أن تهز وعينا، وأن تعيد طرح أسئلتنا التأسيسية. ولكن يجب أن نُقرّ بأننا لا نحسن الوقوف أمام المرآة للمراجعة.
في كل المنعرجات الكبرى لأمتنا حصلت عمليات فرز واسعة، أعيدت خلالها صياغة خريطة المواقف والأفكار، وما يحصل اليوم بمنطقة الخليج منعرج كبير للجميع، وتخبطت فيه المؤسسة الدينية بين الموقف ونقيضه.
قبل أسابيع لم يبق من لفظ الثورة أكثر من رسم باهت، بعد أن فقد بريقه ولم يعد مرجعية للفعل السياسي. يتجاهله خطاب لأنه لم يؤمن بالثورة، ويستدعيه آخر لإرضاء الضمير.
أخيرا حدّدت هيئة الانتخابات في تونس شهر ديسمبر/كانون الأول القادم موعدا للانتخابات المحلية. وهذه الانتخابات ستكون امتحانا للتحولات التي حصلت في الخريطة الحزبية، وتمرينا للانتخابات القادمة، إضافة إلى رهاناتها الخاصة.
لزمن طويل ظلت هزيمة 1967 بؤرة تستقطب الوعي العربي؛ ولذلك نحتاج أحيانا إلى صدمة لنخرج من رومانسيتنا، ولنطرح الأسئلة التي نخافها. خاصة بعد تحول الهزيمة من واقعة إلى حالة.
عقد الاتحاد العام التونسي للشغل مؤخرا مؤتمره الثاني بعد الثورة، إذ انعقد الأول أواخر 2011، ولم يكن بإمكانه الإجابة على الأسئلة الإستراتيجية التي طرحتها الثورة، فاقتصر على ترتيبات سريعة.
يحيي التونسيون هذه الأيام الذكرى السادسة لاندلاع ثورتهم وسط أوضاع شديدة الحراك في البلاد والمنطقة. وهي فرصة للتقييم، وللإجابة عن بعض الأسئلة الجوهرية الملحة، كما أنها فرصة لتدقيق اتجاه البوصلة.