على الدوام، ظلت منطقتنا عرضة للتجريب والدراسة، وربما “الإثارة”. بعد الحرب العالمية الثانية، يجادل بعض الأميركان بأن ظروف الحرب دفعتهم للتدخل، وهذا ما أنتج قيادتهم للعالم، التي لم تكن مقصودة في البداية.
عبدالعزيز الحيص
عبدالعزيز الحيص
الجديد من الكاتب
تدفق المحتوى
أعقب ظاهرة الربيع العربي جدل واسع، تركزت ملامحه بشكل واضح في الحديث عن الديمقراطية والشأن المدني للدول العربية الحديثة. ولم يكن للوعاظ التقليديين في المدن العربية سهم وافر هنا باعتبار أن رأس مالهم المعرفي يختلف عن ذلك المطلوب في هذا الجدل.
السياسة فن وعلم, من المفترض التعامل معها وإعطاؤها حقها من الجهد كأي شيء آخر، وكما تتعامل معها بقية شعوب الأرض منذ أزمان طويلة. لكن مشكلة العرب أنهم شيطنوا السياسة، وارتابوا منها، وابتعدوا عنها جهلاً حيناً وعمدا في حين آخر.
لم يعد حل الثورة السورية اليوم محكوما بأيدي المتظاهرين والمعتصمين في المدن والأرياف السورية، رغم أنهم آباء الثورة وسادتها، بقدر ما أصبح حلاً مرتبطاً بالخارج العربي أو الدولي. فالنظام السوري قام بإزالة كل الحلول، واستبعد أي منطق سوى منطق القوة الذي يمارسه.
في نظر البعض، الثورة الشعبية التي حدثت في أكثر من بلد عربي هي مؤامرة أميركية. فئات مختلفة عبّروا عن هذه الرؤية. منهم سلطات عربية، كالرئيس اليمني (الشرفي) علي صالح، ومنهم مثقفون ونخب تابعة لتلك السلطات، أرادت تشويه إرادة الشعوب لتبقى امتيازاتها.
وصلت الأوطان العربية إلى مرحلة انسداد بلغت الذروة مع مطلع العام 2011، وبدأ الأمر أن العرب تراجعوا وتراجعوا حتى لم يعد أمامهم من شيء سوى الصعود!
يربط عبد العزيز الحيص في هذا التحليل بين الثورة والذائقة، وهو يرى أن الثورة استفادت من التقنية الحديثة، فهي ليست ثورة أُناس معدمين وجائعين بل ثورة معرفة، وثورة أفراد عرفوا وقارنوا وأدركوا أن وضعهم ليس صحيحا.
يتذكر الكاتب مناقب خلدون النقيب الذي رحل عنا في ربيع الزمن وربيع الثورات قبل أن يرى ثمره وينعه, وهو الذي زرع بيده غرس التحرر في زمن الخريف, فطوبى له بما ترك لنا في مكتبتنا العربية من كنوز ومشاعل فكر تنير طريق الديمقراطية والتقدم.
يعلق الحيص على الثورات الشعبية العربية التي تعيشها المنطقة العربية باعتبارها وقوفًا ضد الظلم، ومعبرًا حتميًّا لا بد من المرور خلاله بعد مرحلة الانسداد التي مرت بها الأمة ولكونها تعبيرًا عن صوت الجماهير الذي تم انتظاره طويلا, وسط حالة من استلاب الهوية.
يرى الحيص أن مشكلة الوعي النضالي تتمثل في كونه ينحو إلى التمايز ويتعامل بالضدية ابتداء عوضاً عن محاولة الفهم, والخطر في هذا الفكر ليس في مصادمته للتيارات, ولكن في أنه عادة ما يخلق صداماً مع أنساق وظواهر طبيعية, لا محال من قبولها.