أروم بهذه الرسالة أن أشارككم 3 خواطر كأحد الذين استحوذ عليهم هم الوعي والسعي الحضاري وأعمل فكره وأجهد نفسه في إحدى المراحل الحالكة من هذا المخاض الذي بدت ثماره لكم لعلها تكفيكم أخطاء سابقيكم.
أحمد محمود
أستاذ بجامعة كاليفورنيا وباحث في ملف الحضارة
الجديد من الكاتب
تدفق المحتوى
حالة التربص والحراسة الحضارية التي يعيشها أهل التخوم تجعل من أوجب واجبتهم أن يمتلكوا القدرة على فهم وفك النموذج الحضاري الساعي لمداهمتهم كونهم خط المدافعة والتفاعل الأول.
لطالما استهوتني حياة أهل الثغور في التاريخ الإسلامي، وكنت أسأل نفسي كيف تكون الحياة في بقعة تمازج بين السلم والحرب وبين الدعة والأهبة وبين الاستقرار والاستنفار!
لم تكن المدارس النظامية مجرد مدارس علوم شرعية بل كانت تجسيدا لمرجعية المجتمع لتراثه وعلمائه واستلهامه لهذه المرجعية في مسيرته الحضارية ومصدرا لفاعليته؛ وهو ما يفسر انتشارها في كل الحواضر الإسلامية.
الأفكار تحتاج إلى من يعبر بها من عالم التجريد إلى عالم الواقع إن أرادت الحياة، وثقافة الحضارة التي تفتقدها الأمة الآن تحتاج إلى هؤلاء الأشخاص القادرين على استيعاب ما أنتجته النخب من أفكار والعبور بها.
الحالة الحضارية للأمة في واقعنا الراهن تواجه العديد من التحديات لكل من رام أن ينقلها من وضعيتها المتكلسة والسلبية إلى وضعية تتسم بالفاعلية والإنتاج كما كانت في سابق عهدها.
نحاول هنا عرض بعض النماذج التاريخية والواقعية التي يمكن من خلالها تلمس بعض ملامح هذه المنهجية المقترحة للتعامل مع الواقع الحضاري للآخر من خلال الاستيعاب والتجاوز.
لعل أبرز فوائد هذه المنهجية أنها تبنى على التراث المتراكم للمنجز البشري، وتوجه العقول لاستيعاب ما تم وأُنتج سابقًا، وفهم مرتكزات هذا الإنجاز وأفكاره وقيمه الموجهة لفعله الحضاري.
التجاوز الحضاري بعد الاستيعاب هو حفاظ على المسيرة الحضارية السابقة والدافع لدورتها التالية.
أزعم أن إعداد الفرد للفعل الحضاري يحتاج إلى منهج التزكية نفسه المسطر في تراثنا الراقي، فأول السير إلى الله يكون بالتخلية، وهي هنا التخلي عن الاستلاب والأسر الحضاري للحداثة.