22 عاما على رحيلها.. الممثلة سعاد حسني صانعة البهجة التي عانت البؤس
عرفها الجمهور في البداية بخفة الظل والمهارات الاستعراضية، لكنها نجحت في تقديم أداء تنوع بين الأدوار الخفيفة والميلودراما بنفس المستوى من الإتقان، وهو ما أهلها لاحتلال مكانة فنية جعلتها تقترب وتنافس فاتن حمامة على لقب ممثلة القرن على الرغم من انتمائها لجيل آخر.
ويحل اليوم، 21 يونيو/حزيران، ذكرى وفاة وفاتها الـ 22، قدمت سعاد أو كما يطلقون عليها "سندريلا الشاشة العربية" مسيرة فنية متنوعة بين شخصيات مليئة بالبهجة والحيوية، وأخرى مركبة ودرامية حملت هموما مجتمعية وسياسية.
ورغم ذلك التنوع، بقيت السمة الغالبة على شخصيتها الفنية هي تلك الفتاة المليئة بالحيوية التي تصنع حالة من البهجة لجمهورها، لكن هذه البهجة على الشاشة لم تنعكس على حياتها الشخصية التي امتلأت بالدراما وانتهت بمأساة بسقوطها من شرفة المنزل الذي أقامت فيه أواخر سنواتها في العاصمة البريطانية.
المنح والمحن
نشأت سعاد في عائلة فنية، فوالدها محمد حسني البابا الذي كان من أكبر الخطاطين في مصر، وشقيقتها المطربة نجاة الصغيرة، وجدها حسني البابا كان مطربا في دمشق، وعمها أنور البابا أيضا كان ممثلا.
وقد منحها ذلك المناخ العائلي فرصة الاختلاط بعالم الفن منذ سنواتها الأولى ودعم موهبتها الفطرية، لكن هذه المنحة كانت مصحوبة بمحنة، إذ عاشت هذه الممثلة ذات الأصول السورية طفولة قاسية بعد انفصال والديها وهي لا تزال بالخامسة من عمرها.
كان ترتبيها العاشر بين 16 أخا وأختا معظمهم غير أشقاء. لم تتح لها فرصة تلقي تعليم نظامي في مدرسة ولم تحصل على أي شهادة، إلى أن رشحها زوج شقيقتها للمشاركة وهي لا تزال طفلة صغيرة في برنامج "بابا شارو" الذي كان يقدمه الإذاعي محمد محمود شعبان بالإذاعة، لتحصل على مقابل زهيد يعين والدتها السيدة جوهرة على المعيشة.
أخت القمر وفرصتها الأولى
جاء أول لقاء لسعاد بالجمهور في طفولتها المبكرة، حين غنت في حفل بحديقة الحرية "أنا سعاد أخت القمر.. بين العباد حسني اشتهر.. طولي شبر وصوتي سحر.. وجهي بدر كلي بشر".
كانت في البداية ترغب في احتراف الغناء مثل شقيقتها نجاة، لكن الكاتب عبد الرحمن الخميسي والذي اكتشفها وقدمها كممثلة رشحها لتقوم ببطولة مسلسله الإذاعي "حسن ونعيمة" وتم رفضها لصغر سنها، وقدمت الدور بدلا منها الممثلة كريمة مختار.
وبعد سنوات قليلة، رشحت فاتن حمامة لتقدم بطولة القصة في فيلم سينمائي، إلا أن الفنان محمد عبد الوهاب منتج الفيلم أصر على اختيار وجوه جديدة للبطولة لتحصل سعاد على فرصتها الأولى أمام الشاشة مع المغني محرم فؤاد في فيلم "حسن ونعيمة" عام 1959 لتتعلم القراءة والكتابة إلى جانب التدريب على التمثيل في فترة وجيزة.
ظهرت سعاد كموهبة جديدة على الشاشة وتم ترشيحها في العديد من الأدوار التي تحتاج لفتاة في مقتبل العمر تتمتع بالرقة، فقدمت "إشاعة حب، السفيرة عزيزة، غصن الزيتون، عائلة زيزي، الجريمة الضاحكة، فتاة الاستعراض، صغيرة على الحب".
أيقونة التمثيل
بعد سنوات قليلة، خلعت سعاد رداء الفتاة الرقيقة خفيفة الظل، لتبدأ في اختيار شخصيات مركبة وأفلام تحمل قيمة فنية، وبالفعل قدمت شخصية إحسان في "القاهرة 30" مع المخرج صلاح أبو سيف عام 1966 وهو الفيلم الذي رصد فساد الحكومة فترة الثلاثينيات من القرن الماضي والمقاومة الشعبية، ثم "الزوجة الثانية، نادية، بئر الحرمان، غروب وشروق، الكرنك، شفيقة ومتولي".
وبجانب تلك الأعمال التي قدمت خلالها شخصيات مركبة وصعبة، حافظت أيضا على وجودها بأفلام خفيفة الظل.
وبرزت سعاد في تجارب خارج مصر، فشاركت في الفيلم العراقي "القادسية" عام 1981، وفيلم مصري سوفياتي بعنوان "الناس والنيل" والفيلم المغربي "أفغانستان لماذا؟".
وبلغ عدد الأعمال التي شاركت فيها الممثلة الراحلة 92 عملا عبر مشوار امتد لنحو 32 عاما في عالم التمثيل، لتتحول بعد رحيلها إلى واحدة من أيقونات التمثيل في الوطن العربي.
الممثلة أم الزوجة؟
وعلى الرغم من الشهرة الواسعة التي حظيت بها في سنوات قليلة وجعلت الجمهور يمنحها العديد من الألقاب مثل "السندريلا، أميرة القلوب، أخت القمر، خللي بالك من زوزو" إلا أن مشاعرها كانت تتأرجح بين استكمال مشوارها الفني أو الحياة كزوجة وأم.
وكانت سعاد تكتب أدعية يومية وتشكو إلى الله من تلك الميلودراما والأحزان والتناقضات التي تقابلها في حياتها يوميا، وفي إحدى رسائلها تدعو الله أن يساعدها بالاختيار أن تكون ممثلة أو زوجة لتسير في طريقها في الحياة.
وكان عدم الاستقرار يهدد حياتها الزوجية دائما، وهو ما جعلها تتزوج أكثر من مرة بحثا عن السعادة وسعيا وراء تحقيق حلمها بالأمومة الذي لم يتحقق، حيث أجهضت مرتين لتحرم من الأمومة.
وتزوجت لأول مرة من المغني عبد الحليم حافظ وهي الزيجة التي أثارت الجدل لسنوات طويلة حيث أعلن عنها الإعلامي الراحل مفيد فوزي قبل أن تؤكدها شقيقتها نجاة قبل سنوات، وقالت إنها استمرت 6 أعوام، لتتزوج بعدها من المصور صلاح كريم ولكن بعد عامين تم الانفصال بهدوء عام 1968.
وتزوجت مرة أخرى بالمخرج علي بدرخان وهي الزيجة التي استمرت 11 عاما، لكن تم الانفصال أوائل الثمانينيات، وبعدها ارتبطت بالمخرج زكي فطين عبد الوهاب لكن أيضا لم تستمر سوى شهور قليلة لرفض والدته المغنية ليلى مراد الزيجة لفارق العمر الكبير، وكان آخر زيجات سعاد عام 1987 من السيناريست ماهر عواد، والتي استمرت حتى وفاتها.
مرض واكتئاب
كان الشاعر والسيناريست صلاح جاهين هو كلمة السر في التطور الذي وصلت له سعاد على المستوى الفني والشخصي، فقد أكسبتها الصداقة بينهما ما غيّر كثيرا من مفاهيمها نحو الحياة والفن أيضا، وهو أيضا ما جعلها تصاب باكتئاب شديد عقب وفاته منتصف ثمانينيات القرن الماضي.
وقدمت سعاد خلال تلك الفترة أفلاما وشخصيات عبرت بواقعية عن المرأة في أعمال مثل "موعد على العشاء، غريب في بيتي، عصفور الشرق" ومسلسل "هو وهي".
وجاء إخفاق أفلامها الأخيرة مثل "الدرجة الثالثة، الراعي والنساء" ليساهم في زيادة الاكتئاب الذي عانت منه سنوات طويلة، وتدهورت حالتها الصحية عقب وفاة جاهين وبدأت في تناول الأدوية والعقاقير المضادة للاكتئاب، مما أدى إلى زيادة وزنها ومعاناتها من ورم في الوجه وتآكل في فقرتين في الظهر (العجز والقطنية).
وسافرت إلى لندن للعلاج وللابتعاد أيضا عن جمهورها بعد تغير ملامحها الشكلية، وفي هذه الفترة لم تقدم أي أعمال فنية، واكتفت بتسجيل رباعيات جاهين لصالح هيئة الإذاعة البريطانية عامي 1999 و2000 لتغطية نفقة علاجها في لندن بعد توقف قرار علاجها على نفقة الدولة المصرية.
رسالة أخيرة ونهاية مأساوية
عام 2000 سجلت سعاد رسالة لتطمئن جمهورها عليها، وعبرت خلالها عن اشتياقها للفن والعودة إلى مصر ولكنها تنتظر الشفاء.
وفي 21 يونيو/حزيران 2001 فوجئ جمهور سعاد بخبر سقوطها من شرفة الشقة التي كانت تقيم بها في لندن، وشكلت قضية وفاتها لغزا، حيث صنف الحادث انتحارا بينما أشار بعض أصدقائها بأصابع الاتهام إلى مقتلها، ولم تعرف الحقيقة حتى الآن.
ورغم رحيلها قبل 22 عاما، إلا أن سعاد حسني تركت تاريخا فنيا كبيرا لم تقترب منه أى ممثلة أخرى.