أوسكار فيلم الحوت.. انتصار للبطل وليس للفيلم

سيظل فيلم الحوت مرتبطًا دوما ببريندان فريزر باعتباره الفيلم الذي أهداه الأوسكار وأعاده للضوء، ولكن الفيلم -بعيدا عن بطله- قد لا يحمل قيمة فنية تجعله منافسا حقيقيا من الناحية السينمائية.

US actor Brendan Fraser accepts the Oscar for Best Actor in a Leading Role for "The Whale" onstage during the 95th Annual Academy Awards at the Dolby Theatre in Hollywood, California on March 12, 2023. (Photo by Patrick T. Fallon / AFP) (Photo by PATRICK T. FALLON/AFP via Getty Images) Brendan Fraser accepts the best actor award for “The Whale.” (Patrick T. Fallon/AFP/Getty Images)
بريندان فريزر فرح بالجائزة وحزن على السنوات الضائعة (الفرنسية)

انتهى حفل توزيع جوائز الأوسكار منذ ساعات قليلة بجوائز جاءت أغلبها في إطار التوقعات، لكنها شملت أيضا عددا محدودا من المفاجآت بينها جائزة أفضل ممثل في دور رئيسي وفاز بها الممثل الأميركي بريندان فريزر.

فاز فريزر عن أدائه في فيلم "الحوت" (The Whale)، وهو الدور الذي أعاده إلى دائرة الضوء بعد غياب طويل، وأضاف تألقا إلى مسيرة هذا الممثل الذي لم يتوقع له أحد سوى النجاح في الأفلام التجارية المتوسطة المستوى.

حوت دارين أرنوفسكي

فيلم "الحوت" دراما نفسية من إخراج دارين أرنوفسكي وتأليف صامويل د. هانتر، مقتبسا إياه من مسرحية له بالاسم نفسه، والفيلم بطولة بريندان فريزر وسادي سينك وهونغ تشاو، وقد تم عرضه لأول مرة في مهرجان فينيسيا السينمائي، ثم بشكل تجاري، ليحقق إيرادات 36 مليون دولار مقابل ميزانية 3 ملايين دولار فقط.

وعلى الرغم من عدم انبهار النقاد بشكل عام بالفيلم نفسه، فإن أغلب التعليقات جاءت إيجابية على أداء الممثل الرئيسي، الذي فاز بجائزة اختيار النقاد وترشح لـ"غولدن غلوب" وبافتا، بالإضافة للأوسكار، في حين فاز الفيلم بجائزة أوسكار أفضل مكياج.

تدور أحداث فيلم "الحوت" حول تشارلي معلم اللغة الإنجليزية، الذي يعطي دروسا للطلبة من المنزل، ويصر كل مرة على غلق الكاميرا الخاصة به.

وتكشف إحدى اللقطات السبب وراء ذلك، فتشارلي يعاني من السمنة الشديدة، وبسبب الطعام غير الصحي وعدم قدرته على الحركة نتيجة لوزنه، يصاب بضغط الدم المرتفع واضطراب في القلب، وتصبح أيامه في الحياة معدودة.

يعيش تشارلي في وحدة تامة لا تكسرها سوى صديقته الممرضة ليز، التي تزوره من وقت لآخر لتقدم له القليل من الرعاية الطبية.

يحاول تشارلي في أيامه الأخيرة إعادة التواصل بينه وبين ابنته الوحيدة التي انقطعت علاقتهما بعد طلاقه من والدتها، في وقت تتكشف فيه  الأزمة النفسية التي سببت انقلاب حاله من معلم وزوج وأب إلى رجل وحيد زائد الوزن يتوقع الموت في أي لحظة.

أما دارين أرنوفسكي فهو مخرج له العديد من الأفلام الصادمة للغاية، لا يتحاشى اللقطات التي تفضح آلام أبطاله، أو ترديهم من الناحية الجسدية والنفسية، يواجه جمهوره بالواقع الشديد القسوة.

وفي فيلم "الحوت" يمارس القسوة نفسها، فيتراوح المشاهد بين الشفقة الشديدة على البطل وحياته المأساوية، والتقزز من وضعه الجسدي المرعب بما له من تبعات مختلفة لم يتورع أرنوفسكي عن إبزار أي منها بشكل شديد الوضوح، ليطرح المخرج على المشاهد الوضع بشكله الحقيقي والصارخ، ويتركه في حلبة المشاعر المتناقضة.

يجعل المخرج المشاهدين يقتربون من وضع يرغبون بالتأكيد في إدارة وجههم عنه، ويجبرهم على الانخراط في علاقة مع هذا البطل البائس الذي دمر حياته، ويحاولون وضع أنفسهم داخل جسده العملاق، ومتاهة المشاعر التي عليه التعامل معها قبل وفاته.

النهوض بعد السقوط

تشير جائزتا الأوسكار اللتان فاز بهما فيلم "الحوت" بشكل واضح إلى كل ما هو مميز فيه: أداء بريندان فريزر، والمكياج الخاص به الذي قدم صورة واقعية لهذا الجسد المترهل والعملاق للبطل.

لكن بعيدا عن هذين العاملين، ما عامل القوة في الفيلم؟

يعد سيناريو فيلم "الحوت" من أهم عوامل الضعف فيه، فالبطل تم إظهاره بشكل شديد الملائكية. أخطأ بالانغماس في الحزن للدرجة التي جعلت الطعام سلواه الوحيدة، فبدأ عملية تدمير ذاتي طويلة الأمد، قادته إلى العزلة عن العالم والموت البطيء.

وبرر السيناريو ابتعاد تشارلي عن ابنته وانفصاله النفسي عنها، معتبرا إياه خطأ من زوجته السابقة التي قررت الانتقام منه بحرمانه من طفلته.

قد يكون المبرر منطقيًا من ناحية، لكن من الناحية الأخرى استطاع تشارلي إعادة التواصل مع ابنته بسهولة عندما أراد وداعها قبل الموت. فلماذا لم يحدث ذلك من قبل؟ سؤال لم تتم الإجابة عنه!

كما قدم أرنوفسكي أبطاله في أطر ثابتة، فهذا طيب وذاك شرير، وهناك ضحية واضحة وجانٍ محدد، مما أفقد الفيلم العمق المطلوب، وفرض على المشاهد مشاعر محددة تجاه كل شخصية.

من جهة أخرى، حاول أن يضيف جانبا إشكاليا على عمله بتناول دور الدين في حياة تشارلي ومن حوله، وكيف أثر على قراراتهم ومصائرهم، لكن تم تناول هذا بشكل سطحي في النهاية.

هذا يجعلنا نتساءل ماذا لو كان فيلم "الحوت" من بطولة أي ممثل آخر غير بريندان فرايزر؟ الممثل الذي استبعدته هوليود بسبب تعرضه لاعتداء من أحد أعضاء غولدن غلوب، ليوضع في القائمة السوداء ويبقى دون عمل لسنوات ويدخل في حالة اضطراب نفسي نتيجة لكل ذلك.

في كل المحافل، كان وجود فرايزر وعودته مرة أخرى للأضواء هو النقطة الأكثر إثارة للاهتمام، تحوّل الأمر بالتدريج إلى احتفال بالممثل العائد أكثر من احتفاء بأدائه في الفيلم، وتعاطف تجاهه وليس تجاه شخصية تشارلي.

لكل هذه الأسباب، بالإضافة إلى المستوى المتواضع للسيناريو والإخراج البسيط المعتمد على تعزيز شعور السجن لدى البطل سواء السجن في جسده أو في منزله، نجد أننا أمام فيلم عادي من أفلام 2022 حصل على وضع مميز للأسباب الخاطئة.

وبعد انتهاء حفل توزيع الأوسكار، أهم سؤال يجب طرحه: أي من الأفلام الفائزة ستبقى في الذاكرة بعد ذلك بعشر سنوات؟ سيظل فيلم "الحوت" مرتبطًا دوما ببريندان فريزر باعتباره الفيلم الذي أهداه الأوسكار وأعاده للضوء، لكن باعتباره فيلما مستقلا عن بطله قد لا يحمل قيمة فنية تجعله منافسا حقيقيا من الناحية السينمائية.

المصدر : الجزيرة