فيلم "الخلاط"… الخداع بطل أربع حكايات من المجتمع السعودي

بوستر فيلم الخلاط
الملصق الترويجي لفيلم الخلاط (مواقع التواصل)

فتحت منصة "نتفليكس" (Netflix) وغيرها من المنصات الأبواب للعبور الثقافي من بوابة الأفلام لكل الجنسيات، وأزالت الحواجز بالترجمة متعددة اللغات والدبلجة أحيانا، ومنحت الفرصة للجمهور العربي والغربي على حد سواء لمشاهدة الفيلم السعودي "الخلاط"، من إخراج فهد العامري وتأليف محمد الجراوي وبطولة صهيب قدس وفوز عبد الله وزياد العامري.

يعتمد الفيلم، في بنائه، على القصص المنفصلة التي من المفترض أن يجمع بينها رابط ما، أو أن تعزز فكرة يرغب المخرج في إبرازها.

قصص تحاول أن تكون كوميدية

يقدم فيلم "الخلاط" 4 قصص تدور أحداثها في المملكة العربية السعودية من خلال شخصيات تنتمي إلى طبقات اجتماعية مختلفة، ومن مشارب أخلاقية متباينة، بعضهم لا يتورع عن السرقة أو الكذب أو الخداع أو التشجيع على الخيانة الزوجية.

القصة الأولى تقدم فيصل واثنين من أصدقائه وثلاثتهم كانوا يحاولون سرقة إطارات سيارة. يهرب الاثنان تاركين خلفهما صديقهما الذي يحبسه المسروقون داخل سيارة أمام قاعة الأفراح حتى انتهاء العرس، ثم يتم تسليمه إلى الشرطة. وخوفا من انكشاف سر بقية أفراد العصابة، يحاول صديقاه تهريبه من خلال التسلل إلى حفلة الزفاف، بصفتهما مدعوين، الأمر الذي يقود إلى كثير من المواقف الكوميدية.

القصة الثانية تدور في أحد المطاعم الفارهة، فنجد الطاهية الشابة سارة مرتبكة بسبب الحيلة التي قامت بها لدعوة والديها، في محاولة منها لرأب الصدع بينهما. تخدع سارة كلا من الأم التي لا تعلم أن الابنة وراء الدعوة، وأيضا مدير المطعم، وهو ما يسبب ارتباكا للجميع خلال محاولة عدم كشف كل هذه الأسرار. تولد المفارقات من خلال المواقف الناتجة عن عدم اعتياد أهلها على الطعام المختلف، والأماكن التي لا تتناسب مع  طبقتهم الاجتماعية.

أما القصة الثالثة فهي أقل كوميدية، وتبدأ بحادث سير يروح ضحيته شاب، ويصاب صديقه. خلال التعرف على الجثة داخل المشرحة، يرن هاتف القتيل ليكتشف الصديق أنها صديقة المتوفى، فيبدأ التحايل على الزوجة المفجوعة للحصول على الهاتف ومسح البيانات حتى لا ينكشف السر، الأمر الذي يثير شكوكها إلى درجة تتجاوز فيها أحزانها.

تعود القصص مرة أخرى إلى الكوميديا مع الفصل الرابع والأخير. وفيه نتعرف على عائلة سعودية في دولة خليجية، تحاول الإقامة في أحد الفنادق، ولكن عبر حجز غرفة لشخصين فقط، ثم إدخال ابنهما المراهق وطفلتهما خلسة.

في المساء، يتسلل الابن من الغرفة، فيتبعه الأب الذي يحاول القبض عليه بالجرم المشهود بعدما خالف تعاليمه، لكن ذلك يجبره على دخول الملهى الليلي الملحق بالفندق، وهو ما قد يؤدي إلى عواقب وخيمة لو علمت الزوجة بذلك.

الوحدة المفقودة

لدينا هنا 4 قصص، كلٌ منها تقوم على الأكاذيب، ولكن ثمة عواقب لهذا الخداع. فبعد أول قصة، نجد عبارة "من له حيلة فليحتال" مكتوبة، لتصبح هي الرابط الرئيسي الذي يجمع بين الأفلام القصيرة الأربعة، إذ يحاول الجميع استخدام الخدع، الواحدة تلو الأخرى، لتحقيق أهدافهم التي تنكشف وتُدخلهم في عواقب سيئة كل مرة.

كل هذه القصص تستخدم أشخاصا عاديين جدا، كشخصيات رئيسة، يحاول الفيلم جمعها تحت المظلة ذاتها، مما يطرح السؤال التالي بقوة: لماذا يشعر الناس، بصرف النظر عن خلفيتهم الاقتصادية أو الاجتماعية، بالحاجة إلى خداع الآخرين من أجل مصالحهم الخاصة؟

هناك نقطتان أساسيتان تحددان جودة هذه الصيغة من الأفلام التي تتكون من قصص قصيرة متداخلة: الأولى الترابط بين القصص، أي الصلة التي تجعل من الضروري أن تصبح الأفلام القصيرة الأربعة معا، وليست مجرد جمع عشوائي للأفلام.

النقطة الثانية هي عدم وجود تفاوت كبير في ثيمات هذه القصص وموضوعاتها أو الجو الخاص بكل واحدة منها.

لم يتوافر ذلك في فيلم "الخلاط"، فالقصتان الأولى والثانية ممتعتان وتحملان رسالة مرحة حول العاقبة الأخلاقية للكذب والخداع، التي تعود لتنال من المخطئ في نهاية المطاف. ولكن هذه الخفة تنتهي مع القصة الثالثة الأكثر ظلمة في الفيلم بأكمله، فهي تعرض موقفا يبدأ بالموت والمشرحة وتختبر أخلاق الشخصيات، ثم يحاول الفيلم مع القصة الرابعة العودة مرة أخرى إلى الكوميديا، وهو ما يُسبب حالة من انعدام التوازن.

ينعكس انعدام التوازن على أمور تقنية داخل الفيلم، ففي القصة الأولى التي تعتمد على المغامرة والكوميديا، نجد التصوير حيويا، سواء في مغامرة ملاحقة السارقين أو داخل الحفلة، أو في الإيقاع السريع الناتج عن المشاهد القصيرة والمونتاج السلس. لكن ذلك انتهى مع القصة الثالثة الأكثر قتامة، سواء من الناحية البصرية أو على مستوى القصة.

الرابط بين الأفلام هش للغاية، فالخداع والاحتيال والعواقب روابط أوسع من أن تصلح لفيلم مشابه، لا سيما مع وجود القصة الثالثة البعيدة تماما عن الكوميديا التي كانت سمة واضحة في الأفلام الثلاثة الأخرى. وقد نتج عن ذلك عمل مفكك الأوصال، لم يستطع الحفاظ على النوع الخاص به، وهو الكوميديا، كما لم ينجح في إيجاد رابط قوي يجعل القصص الأربعة تجتمع بشكل ضروري.

"الخلاط" عمل لا يُعد خطوة إلى الأمام للسينما السعودية. ربما يصل الفيلم إلى عدد أوسع من المشاهدين بعرضه على نتفليكس، لكنه من الناحية الفنية لا يزال ينقصه كثير.

المصدر : الجزيرة

إعلان