فيلم "اترك العالم خلفك".. هجوم سيبراني يكشف المستور في أميركا
تمكنت أفلام التخويف من نهاية العالم من تحقيق نجاحات هائلة في ظل حالة الرعب التي تعيشها الأرض من الكوارث البيئية وغيرها. ولعل أشهر الأفلام التي داعبت الخوف الإنساني من تلك النهاية، هي "يوم بعد غد" (The Day After Tomorrow) في 2004، وفيلم "يوم القيامة" (Doomsday) في 2009.
ويقدم المخرج الأميركي ابن الأسرة المصرية المهاجرة سام إسماعيل نسخة متطورة من ذلك التحذير في فيلمه "اترك العالم خلفك" (Leave The World Behind)، من بطولة جوليا روبرتس، وإيثان هوك، وماهرشالا علي، إذ يعرض للأسباب الحقيقية، التي تكمن في السلوك الإنساني ودوافعه القيمية بعيدا عن الكوارث البيئية والتفجيرات النووية.
وفي فيلم من إنتاج باراك وميشيل أوباما، من الطبيعي أن نشهد إشارات تحتمل الترجمة السياسية، فقد أنهى الرجل مشواره في عالم السياسة رئيسا للولايات المتحدة الأميركية.
تدور أحداث "اترك العالم خلفك" حول آماندا وزوجها كلاي اللذين يستأجران منزلا فاخرا لقضاء عطلة نهاية الأسبوع مع أطفالهم، آرتشي (تشارلي إيفانز)، وروز (فرح ماكنزي)، لكن الإجازة تتحول إلى كابوس حين يقتحم خصوصية الأسرة شخصان غريبان، هما جي. إتش. (ماهرشالا علي) وابنته روث (ميهالا).
يصلان في الليلة الأولى للإجازة، ويحملان أخبارا عن هجوم إلكتروني غامض، ويزعمان أنهما يبحثان عن ملجأ في المنزل، الذي يدعيان أنه ملكهما، فتواجه العائلتان كارثة تلوح في الأفق، وتمتلئ الأجواء بالرعب مع مرور الوقت، مما يجبر الجميع على التصالح مع أماكنهم في عالم منهار.
رسائل ملونة
يقدم سام إسماعيل، الحاصل على عدد من الجوائز عن مسلسل "مستر روبوت" (Mr. Robot)، فيلمه الجديد مع 3 من كبار الممثلين في هوليود، وهم جوليا روبرتس وماهر شالا على الحاصلان على الأوسكار، بالإضافة إلى إيثان هوك الذي تلقى 4 ترشيحات للجائزة نفسها، وكتب سام السيناريو بنفسه عن رواية للكاتب رومان علم، الذي انحدر من أسرة هاجرت من بنغلاديش.
يبدأ سام بث رسائله منذ نهاية المشهد الذي تعترف خلاله الزوجة آماندا لزوجها أنها تحب العالم، لكنها تكره البشر، ومع اعترافها الصادم تقترب الكاميرا من وجهها "زووم-إن"، لتصبح مخيفة. وفي المشهد الثاني ينفجر اللون الأزرق على الشاشة، فالملابس من درجات الأزرق المختلفة والجدران وشراشف السرير في المنزل الذي تم استئجاره لقضاء الإجازة فيه، ويتكرر الأمر على الشاطئ، حيث الماء والسماء والملابس، والمظلات، وأيضا، ناقلة البترول العملاقة التي تقتحم الشاطئ، لينطلق مرتادوه هربا في مشهد يشبه ذلك الذي فر خلاله مرتادو الشاطئ من القرش القاتل في فيلم "الفك المفترس" (Jaws).
يظل سؤال اللون الأزرق يتردد، حتى يكتشف المشاهد ملامح كل شخصية على حدة، فالأم هي نموذج لامرأة تشتهر في الثقافة الغربية باسم "كارين"، وتتصف بالتعصب والكراهية لكل ما هو مختلف، وخاصة على مستوى من البشر السود والملونين. أما الأب، فهو أستاذ إعلام منفتح ومتقبل للآخر.
أما الابنة الطفلة، فتعيش في عالمها الخاص، لا يعنيها انقطاع الإنترنت والكهرباء وحالة الطوارئ الوطنية التي أعلنت في البلاد، وكل ما يزعجها هو عدم قدرتها على رؤية الحلقة الأخيرة من مسلسل "فريندز" (Friends)، وترتدي الفتاة تي-شيرت طبع عليه شعار وكالة ناسا، وكأنها تنتمي للفضاء، وعلى التوازي يعيش الابن المراهق عالما خاصا من البحث والاكتشاف للجنس الآخر.
الأسرة، إذن، تتكون من 4 أشخاص، لا يجمعهم سوى المكان، ويختلفون فيما عداه، ويسيطر اللون الأزرق على الأجواء باعتباره اللون المميز لليمين المحافظ في أميركا الشمالية، والذين يسعون للحفاظ على الأشياء كما هي، مع التركيز على الاستقرار والاستمرارية، ويعارضون الحداثة ويسعون للعودة إلى ما كانت عليه الأمور من سيطرة للعرق الأبيض، ولم تكن سيطرة الأزرق إلا انعكاسا لسيطرة الزوجة التي فرضت "لونها" المفضل على الأسرة.
يفاجأ الزوجان بشخصين يطرقان أبوابهما ليلا، هما أب وابنته، ويؤكد الأب أنه مالك البيت، وأن ثمة حدثا كارثيا في المدينة دفعه للمجيء واللجوء إلى البيت، ويطلب أن يقيم فيه معهم، ويؤكد رد فعل آماندا كل صفاتها التي ترشحها للقب "كارين" الكارهة والمتشككة في الآخر، فرغم معرفة الغريب بتفاصيل المكان، وسكان الحي، تتشكك الزوجة وترفض فكرة قبوله في المنزل، لكن إرادتها تنهار تحت وقع الأخبار التي توالت حول إعلان الطوارئ وتعطل الإنترنت وانقطاع الكهرباء.
مرة أخرى، تتفاجأ الأسرة بقطيع من الغزلان في الحديقة الخلفية للمنزل، وهو فأل غير حسن في الثقافة الغربية، حيث تظهر حين يتعرض الشخص للأذى ويحتاج للرعاية، بينما يقرر الأب الذهاب إلى المدينة القريبة لتقصي الأخبار حول ما يحدث في البلاد، لكنه يضل الطريق، نظرا لعدم وجود اتصال بالإنترنت، فيتجه إلى طرق غريبة، يصادف امرأة ملونة تستغيث به بشكل يائس، فيتركها في الطريق، لكنه يشعر بالندم.
لا يتوقف سام إسماعيل عن اللعب بالكاميرا كما لو أنه كان طفلا يخرج إلى الشارع لأول مرة، فهو يراقب شخوصه من أعلى، وكأنه يؤكد وجود من يراقب من السماوات، أو من الأقمار الصناعية، ومرة أخرى نجده يدور بالكاميرا فوق شريحة دقيقة من سقف الكوخ دورة كاملة، ثم ينتقل إلى الوضع الأفقي للكاميرا في جملة بصرية تشير إلى حالة فقدان للتوجهات والبوصلة البطلتين جوليا روبرتس وميهالا اللتين تبحثان عن الابنة المفقودة.
العنصرية والأعداء
يقترب صانع العمل من قضايا العنصرية والتمييز، لكنها لا يطرحها بشكل مباشر، وإن بدت واضحة في الصورة، فالأسرة بيضاء، والضيوف من السود، والمرأة التي استغاثت بالأب "ملونة" تتحدث الإسبانية، كما تنفصل الأسرة عن بعضها، ينفصل الأب الضيف جي إتش (ماهرشالا علي) عن ابنته روث (ميهالا)، فهو رجل هادئ مسالم، أقرب إلى شخصية إصلاحية، بينما تملك الابنة شخصية ثائرة على كل ما يحيط بها، وترغب في طرد المستأجرين وإعادة أموالهم التي دفعوها، في إسقاط على جيلين من الأميركان ذوي الأصول الأفريقية، الجيل القديم بمحاولته للتعايش مع الظلم الذي وقع مع الرجل الأبيض ومقاومته بشكل هادئ، في مقابل الجيل الجديد الثائر على التمييز.
يثبت الضيف أنه شخص جيد حين يصاب الابن، وتتساقط أسنانه نتيجة الأصوات الحادة التي تنطلق بين الحين والآخر، فيسعى مع الأسرة للبحث عن علاج لدى الجيران، لكن الجار يتحول إلى شخص عدواني تماما، ويهدد الجميع بالقتل إن لم يبتعدوا، فالموارد المتاحة لا تكفي الجميع.
يصاب الجميع بالحيرة، وتتناثر الشائعات حول الكارثة الكبرى التي قطعت الإنترنت والكهرباء، وتسببت في هروب سيارات تسلا ذاتية القيادة من أماكنها، وتجمعها في طريق واحد واصطدامها ببعضها، وقد بررها الفيلم بانفصال الأقمار الصناعية المشغلة لخدمة الإنترنت عنها. يردد البعض أنه انقلاب داخل البلاد، لكن منشورات يتم إسقاطها من الجو يتلقاها الأب، كتب عليها باللغة العربية "الموت لأميركا"، لكن آخر يؤكد أنهم الكوريون الشماليون، وثالث يقول إنه قيل لهم أنهم الصينيون.
يحاول سام إسماعيل أن يحصي الأعداء الذين خلقتهم الإدارات الأميركية المتعاقبة، فلا ينتهي، ليصل إلى نتيجة ملخصها أن الجميع مرشحون للهجوم الإلكتروني على الولايات المتحدة.
يحاكم المخرج والكاتب الإمبراطورية الأميركية على المستويين الإنساني من خلال أفرادها، والسياسي من خلال حجم أعدائها الذين تدخلت في شؤونهم، وها هم يردون بالمثل، ورغم تلك المحاكمة القاسية، فإن سام ومعه باراك وميشيل أوباما يشيرون بوضوح إلى أزمة مجتمعية في الداخل الأميركي تعد الأخطر من غيرها، وهي ذلك الانفصال الحاد بين أفراد الأسرة الواحدة.