من خلال 1500 قطعة فرعونية.. مصر القديمة في قلب برلين
يعود تاريخ المتحف المصري في برلين إلى عام 1828، حيث كان مجرد قسم في "قصر مونبيجو" (Monbijou Palace)، وكانت محتوياته هي المجموعة الفنية الملكية لملوك هوهنزولرن في بروسيا. وأوصى العالم الموسوعي ألكسندر فون همبولت الملك فريدريش فيلهلم الثالث، بإنشاء متحف مصري يضم تلك المجموعة في جزيرة المتاحف في برلين، وقد تحقق ذلك.
ويعود تاريخ المجموعة المصرية نفسها إلى البعثة البروسية إلى مصر والنوبة بقيادة رائد علم المصريات "كارل ريتشارد ليبسيوس" (Karl Richard Lepsius) بين عامي 1842 و1845 والتي وضعت يدها على الكثير من القطع الأثرية النادرة التي تم نقلها لبرلين، إلا أن "المتحف المصري ومجموعة البرديات" (بالألمانية: Ägyptisches Museum und Papyrussammlung) يذكر في موقعه الرسمي أن تلك القطع، والتي يبلغ عددها 1500 قطعة، كانت هدية من والي مصر والسودان آنذاك، محمد علي.
ويعدّ تمثال الملكة نفرتيتي -الذي يحتفظ بلونه الأصلي بدون ترميم أو تعديل منذ حقبة العمارنة- أشهر مقتنيات المتحف الذي يضم تحفا كثيرة تعود إلى عصور مختلفة من مصر القديمة، وكذلك يضم قطعا أثرية للعمارة المصرية توثق الفترات الزمنية المختلفة لمصر القديمة من 4 آلاف سنة قبل الميلاد حتى العصر الروماني.
أقسام المتحف
ويتكون المتحف من 3 طوابق، المستوى صفر، وهو المستوى الأول، يوجد فيه المنتزه الأثري وقاعة وادي النيل التي تضم بعض نماذج القوارب وما كانت تحمله من حبوب وحيوانات مثل فرس النهر. ويضم كذلك قاعة تشرح الرحلة إلى العالم السفلي، وقاعة السودان التي تحتوي على كنوز فريدة من نوعها.
وتضم قاعة السودان أوعية فخارية تعود إلى الألفية الخامسة قبل الميلاد. كذلك تشتمل على مقتنيات أحدث عُمرا، حيث تعود للعصر المسيحي المبكر. وتوجد فيها أيضا المجوهرات الذهبية للملكة أمانيشاخيتو (مملكة مروي من القرن الأول الميلادي) والتي تُعرض في غرفة الكنز.
وفي "المستوى 1″، وهو المستوى الثاني، توجد 3 أقسام، يعد كل واحد منها مرجعا فريدا لعلم المصريات وتاريخ مصر القديمة، وتوجد قائمة طويلة بالملوك والكهنة إلى جانب النصوص المسمارية الأثرية الضاربة في القدم والكرة السماوية الرومانية ونصوص أنظمة التأريخ وحساب الوقت الخاصة بالثقافات القديمة.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، يضم ذلك المستوى ساعة شمسية من الطمي المعالج، ما يعرف بالشست، وتعود لفترة حكم تحتمس الثالث (1479-1425) قبل الميلاد.
كذلك تحتوي غرف العرض الموجودة في ذاك المستوى على عدد من التماثيل والمنحوتات لملوك مثل أمنمحات الثالث، من الأسرة الـ12 (1806-1853) قبل الميلاد، وهو مصنوع من الغرانيت الرمادي. ويذكر المتحف أن تلك القاعة تُشكّل خلاصة 3 آلاف عام من الاستمرارية التاريخية والثقافية بسبب تعدد الملوك والملكات الحاضرين فيها.
وفي المستوى رقم 2، وهو الثالث والأعلى، نرى تمثال نفرتيتي الرائع، بالإضافة إلى أنواع مختلفة من المنحوتات وقطع فريدة تعود لفترة العمارنة التي شهدت بداية عهد أمينوفيس الثالث، والذي عُدّ حكمه انطلاقة لحقبة سياسية جديدة مع تركيز قوي على العلاقات الدبلوماسية مع الشعوب المجاورة وانتعاش اقتصادي كبير.
ويضم ذاك المستوى أيضا مكتبة فريدة من نوعها، حيث يوجد فيها مجموعة برلين للبرديات الأقدم والأكبر من نوعها في ألمانيا وواحدة من أهم المجموعات في العالم.
ويعود ثراء تلك المجموعة وندرتها إلى وجود عشرات آلاف من الكتابات والنصوص ومصدرها عمليات الاستحواذ والتبرعات وكذلك الحفريات في أماكن مختلفة في مصر والسودان.
وعلى سبيل المثال تضم تلك المكتبة مخطوطة "سيرة سنوحي" التي تعود إلى المملكة الوسطى، الأسرة 12، حوالي 1800 قبل الميلاد، والمكتوبة على ورق بردي منذ أن كانت "طيبة" هي عاصمة البلاد.
وتضم المكتبة كذلك عددا ضخما من المخطوطات المكتوبة على خشب وورق بردي وألواح باللغات الديموطيقية والمصرية القديمة والآرامية واليونانية واللاتينية والقبطية والفارسية والعربية والسورية والإثيوبية.
لذلك، فإن الثراء الشديد الذي يتمتع به المتحف يجعله شاهدا على الاستمرارية والتغيير الذي ميز الثقافات المصرية في الدلتا ووادي النيل وصولا للنوبة القديمة والسودان.