المخرج المغربي محمد الشريف الطريبق: الحدود بين التلفزيون والسينما إلى زوال

في مسلسله الجديد "ليالي الحي القديم" (2022)، يضعنا الشريف الطريبق أمام حكاية تدور عوالمها في مدينة تطوان المغربيّة، حيث تدفع المشاهد الملهمة المتابع عبر الشاشة إلى ذكرياته ليلتقط أكثرها قربا من نفسه بعد أن وجدها تتجلى أمامه على الشاشة.

المخرج محمد الشريف الطريبق يقدم أعمالا يتجلى فيها التراث الجمالي المغربي (الصحافة المغربية)

يجمع المخرج المغربي محمد الشريف الطريبق بين السينما والمسرح والتلفزيون، ويؤكد أن لكل مجال متعته الخاصة. ويقدم أعمالا يتجلى فيها التراث الجمالي المغربي، ويظهر ذلك في أعمال، مثل فيلم "أفراح صغيرة" و"ليالي الحي القديم"، حيث يعيد إنتاج الواقع على شكل صور فنية.

في مسلسله الجديد "ليالي الحي القديم" (2022)، يضعنا الشريف الطريبق أمام حكاية تدور عوالمها في مدينة تطوان المغربيّة، حيث تدفع المشاهد الملهمة المتابع عبر الشاشة إلى ذكرياته ليلتقط أكثرها قربا من نفسه بعد أن وجدها تتجلى أمامه على الشاشة.

بمناسبة مسلسله الجديد هذا، كان لـ"الجزيرة نت" هذا الحوار الخاص:

  • في "ليالي الحي القديم" تنسج علاقة مع مدينة تطوان المغربية، لماذا اخترت مدينة تطوان لتدور فيها أحداث العمل؟

لم يكن هناك اختيار لتطوان، لأن المدينة تفرض نفسها بشكل عفوي، ربما لا واعي؛ هناك علاقة قديمة مع مدينة تطوان وهي تحتل في الذاكرة والقلب مساحة مهمة، أعرف دروبها العتيقة وتعرفني.

بدأت القصة أيام الدارسة الجامعية واستمرت على مدى أعمال سينمائية، لعل أهمها "أفراح صغيرة" وتستمر الحكاية مع عمل قيد الكتابة الآن، بالإضافة إلى أن كاتب السلسلة الروائي المغربي البشير الدامون هو أيضا ابن المدينة العتيقة، وكتب عنها عدة أعمال قد نذكر منها مثلا "سرير الأسرار" و"أرض المدامع".

مشهد من مسلسل "ليالي الحي القديم" (مواقع التواصل)
  • ماذا عن العنوان، ما دلالاته الاجتماعية وأبعاده النفسية بالنسبة لذاكرتك في علاقتها بالطفولة والصبا؟

مسلسل "ليالي الحي القديم" يشبه عتبة تعود بالسفر في الخيال والذاكرة، خاصة حين يحضر ليل تطوان؛ ففيه يغيب الضغط الاجتماعي الذي يميز العيش في المدينة العتيقة وتعود الشخصيات إلى وحدتها وإلى حقيقتها. تمتد الحياة خارج الأسوار؛ حيث تتسلل بعض الشخصيات إلى أنشطة ربما غير مشروعة في يومها، حيث تحاصر الشخصيات بعضها بعضا بفعل ضيق المكان وبفعل القرب.

الوحدة والهجر لهما حضور لدى الشخصيات الرئيسية، وهما حسنا (نرسن الراسي) والجانب السري المظلم للحاج يوسف (فريد الركراكي).

الواقع والمتخيل

  • ما حدود الواقع والمتخيل في مسلسل "ليالي الحي القديم"؟

ربما ليس هناك تخيل بالشكل المتعارف عليه، فالذي يعرف المنطقة يعرف أن الأحداث التي يسردها المسلسل ممكنة الوقوع، والخيال بالنسبة لي يتدخل في إعادة التركيب وبناء السرد بالشكل الذي يجعل الأحداث مقبولة وتوحي بالواقعية، ليكون العمل في النهاية معبرا عن واقع بعينه، ويكون في الوقت نفسه تمثلا للتجربة الإنسانية أينما وجدت.

  • ما موقع مفهوم الذاكرة بالنسبة لك في هذا العمل؟

بالنسبة لي، موقع الذاكرة في العمل أحس به أكثر من خلال الأمكنة بكل ما تحمله من حمولة عاطفية وحياة إنسانية تعيدني إلى زمن الطفولة التي عشتها والتي لم أعشها، أي تلك وصلتني من خلال تجارب الآخرين. المكان بالنسبة لي يتجاوز وظيفة وعاء للأحداث إلى كونه محددا لغويا وأسلوبيا.

الوحدة والهجر لهما حضور لدى الشخصيات الرئيسية في مسلسل "ليالي الحي القديم" (مواقع التواصل)

نسرين الراضي

  • لماذا اخترت نسرين الراضي بطلة للعمل؟

نسرين أعرفها منذ أن كانت طالبة في المعهد، كنا نلتقي باستمرار في المهرجانات الوطنية ولم تتح لنا الفرصة لنعمل معا. تعرفت عليها في مجموعة من الأعمال كانت كافية أن أنتظر الفرصة لإدارتها في عمل.

عندما قرأت سيناريو السلسة ومنذ السطور الأولى، تجلت صورة نسرين، واستمرت القراءة وبدا لي كأن الدور كتب لها. نسرين من جانبها -منذ أول اتصال- أبدت رغبة في العمل وجعلت نفسها رهن إشارته. انطلاقا من المشاهد الأولى، تبلورت لغة بيننا تخلت مع الوقت عن الكلمات وتحولت إلى إشارات فقط.

نسرين لها ملامح يصعب القبض عليها؛ ففي كل لقطه وكل إضاءة جديدة تتجلى بشكل مختلف وتكشف جانبا خفيا من شخصيتها، ويستمر الانبهار ونحن نشاهد الحلقات تبث.

شخصية حسنا في الفيلم مترددة بين حالة الإحباط الذي تعيشه بسبب خيانة حبيبها فريد، وحالة البطالة التي تعاني منها بعد مسار دراسي ناجح، وبين قبول الواقع المتاح والتصالح معه ومع الذات في وسط اجتماعي لا يرحم ومتربص بها، ونسرين استطاعت أن تجد بلغة جسدها وتعابير وجهها أن تقبض على هذه الحالة وتتمثلها وتورط الجمهور في التعاطف شخصيتها.

التلفزيون

  • كيف ترى -بوصفك مخرجا- الفارق بين العمل التلفزيوني والعمل السينمائي؟

الحدود بين التلفزيون والسينما بدأت تمحى كليا في العالم؛ إننا نقف الآن على أعمال تلفزيونية في شكل مسلسلات لا تختلف في جمالياتها وكتابتها وتمويلها عن أي عمل سينمائي، وشكل السلسة يتيح في نظري إمكانية حكي من دون قيود المدة الزمنية التي يفرضها التوزيع السينمائي التي تتراوح في الغالب بين 90 و120 دقيقة. أعتقد أن هذه فرصة للمخرجين لا تعوض، خصوصا مع صعوبة تمويل السينما، للقبض على هذه الفرصة والتأقلم مع الإمكانيات المحدودة لصنع عمل تلفزيوني يخرج عن المألوف ويرقى بالدراما المغربية والعربية إلى مستوى الإبداع.

المشكلة أن القنوات ما زالت -ربما بشكل غير واع- تتعامل مع العمل الدرامي التلفزيوني بعقلية البرنامج وليس بعقلية عمل فني له خصوصياته، وكل عمل له تفرده أي عمل برؤية فنية ذاتية وليس عملا مبنيا للمجهول، أو تنفيذا للخط التحريري للقناة.

من جانبي وبنوع من النزاهة والعقد الأخلاقي، أحاول أن أتعامل مع العمل التلفزيوني كعمل سينمائي في حدود الممكن والإمكانيات المتاحة والزمن المتوفر للإنجاز.

بين السينما والتلفزيون

  • أين تجد نفسك بشكل أقوى وأكثر حميمية بين هذه المجالات الإبداعية؟

في الحقيقة، أجد نفسي في كل هذه المجالات، والمتعة التي أجدها تجعل فعل الإبداع واحدا رغم اختلاف آليات الكتابة ووسائلها؛ أعشق في المسرح كون العلاقة بيني وبين الممثل لا تمر عبر وسائط تقنية ولوجستيكية، وأعشق في السينما والتلفزيونية كون الكاميرا تتيح الوقوف على مسافة قريبة من الممثلين وتجعل الولوج إلى دواخلها ممكنا، وكذلك إمكانية إعادة صياغة المكان وتحويره والانتقال به من المكان كمعطى موضوعي إلى مكان متخيل لا وجود له في الواقع.

بين السينما والتلفزيون هناك فرق بسيط ومحدد في الآن نفسه، هو أن الفيلم السينمائي يأخذ مني مدة زمنية طويلة من الكتابة إلى العرض. إنها قصة طويلة تجعل من الفيلم جزءا من حياتي، بينما في التلفزيون الزمن محدود جدا لكن يعوضه الانتشار الواسع والآني فهي متعة أخرى. في النهاية، أجد لأي عمل مهما كان شكله وجنسه مبررا لكي تتحقق المتعة، متعة شخصية أتمنى أن أتقاسمها مع الجمهور.

المصدر : الجزيرة