رحلة أشهر مراسل حربي.. من مناطق النزاع إلى برامج الطبخ

المراسل الحربي طارق عبد الجابر بعد أعوام من الانقطاع: الطبخ هوايتي المحببة والشيف لقب يستدعي السعادة

المراسل الحربي السابق طارق عبد الجابر من أستوديو برنامج الطهي "الشيف طارق" (مواقع التواصل الاجتماعي)

الوجه ليس غريبا، هذا الصوت الذي يخرج من مطبخ إحدى القنوات الفضائية تألفه الأذن وهو يغني المقطع الرمضاني الشهير لفؤاد المهندس "يا خواتي صايم ومراتي عايزة تجوعني" هو نفسه الصوت الذي لطالما مر على آذان المصريين والعرب في تقارير متلفزة تحكي عن مآسي الشعوب في فلسطين وليبيا وتشاد والصين وكوبا وروسيا وإريتريا والصومال وغيرها.

لكن الصوت ذاته لا يرتدي خوذته الشهيرة وبنطاله الجينز، بل يعتمر قبعة الشيف ويرتدي الزي الرسمي للطهاة، إذن ليس هو، ليس معقولا أن يكونا نفس الشخص، لكن بعد دقيقة واحدة ينتهي الجدل وتنتهي حلقة الطهي بنفس النهاية الشهيرة "كان معكم طارق عبد الجابر".

طارق عبد الجابر أحد أشهر المراسلين الحربيين الذين مروا على التلفزيون المصري منذ عام 1988 وحتى 2008 حين أصدر وزير الإعلام الأسبق ممدوح البلتاجي قرارا بعودة أشهر مراسل حربي في قطاع الأخبار إلى مبنى ماسبيرو، عاد عبد الجابر إلى القاهرة، لكنه لم يعد إلى وظيفته مرة أخرى.

تاريخ عبد الجابر الذي جسده هنيدي

الجزيرة نت قابلت المراسل الحربي الأشهر للتلفزيون المصري، الذي غيّر في صورة المراسل ذي البدلات الرسمية، واستقى منه محمد هنيدي شخصيته الشهيرة في فيلم "جاءنا البيان التالي".

الصدفة كانت المحرك الأساسي لحياة طارق عبد الجابر الذي تحكمت الأقدار في سائر تفاصيل حياته، فقادته في البداية إلى عمله مراسلا حربيا، وأنارت له طريق عودته للأضواء من جديد من خلال برنامجه "الشيف طارق" على قناة الشمس المصرية.

يقول عبد الجابر للجزيرة نت "الصدفة غيرت مسار حياتي ووضعتني في فلسطين بشكل قدري تماما، فقد كنت ذاهبا لتغطية الحرب في سلوفاكيا، فتلقيت اتصالا هاتفيا بأن علي أن أعود لماسبيرو لأنه تم تغيير مكان التغطية".

وتابع عبد الجابر "عرفت بعد العودة أن مكان التغطية الجديد هو فلسطين".

الصدف لم تتوقف في حياة عبد الجابر عند ذلك الحد، لكنها قادته في أحيان كثيرة إلى تغطيات أثارت ضجة في أعوام كان اسمه يتردد بين كبار مراسلي الأخبار في العالم، فكانت القنوات العالمية تنقل تقاريره المتميزة اقتباسا من التلفزيون المصري، خرج عبد الجابر من عباءة اللغة العربية الفصحى ليجعل للعامية المصرية بلكنته الخاصة ولونه الأسمر المحبب مكانا في قلوب متابعيه على كافة الشاشات العربية.

صدفة قادته إلى مطبخ الشمس

يحكي طارق عبد الجابر للجزيرة نت عن عودته الإعلامية مرة أخرى "برنامج الشيف طارق لم يكن هو البرنامج المتفق على تقديمه مع فريق قناة الشمس، لكن البرنامج الأساسي كان برنامج المراسل، والذي كنت سأقوم في الكشف فيه عن كواليس المهنة التي قضيت فيها 20 عاما وأسرار المقابلات والتقارير التي أجريتها على مدار عمر بأكمله في كل مناطق الصراع في أصعب فترات الشرق الأوسط، لكن دعوة إلى العشاء في منزلي للقائمين على المحطة غيرت وجه لقائي الأول مع المشاهدين بعد فترة من الغياب الطويل".

المذيع طارق عبد الجابر بصدد إعداد برنامج "غواص في بحر السينما المصرية" (مواقع التواصل الاجتماعي)

ويواصل عبد الجابر حديثه للجزيرة نت مضيفا أن "الطبخ هوايتي منذ سنوات، دائما ما كنت أقوم بإعداد الولائم لأصدقائي وأدعوهم لتناول الغداء أو العشاء سويا، أهوى الطبخ وأعشق المطبخ المصري منذ كنت أرافق أمي وهي تعد الطعام وأشاهدها تتحدث بشغف عن النَفَس في الطعام، وعن اختلاف طعم الأكل باختلاف التوابل والمقادير والصنعة الخاصة بكل شخص".

وأضاف "ساهم عدم زواجي في استمرار شغفي بالمطبخ، وكانت عزومة أصدقاء قناة الشمس هي الصدفة التي فتحت الطريق لبرنامج الشيف طارق، بعد أن اكتشف مديرو القناة طبخي المميز وطريقتي المختلفة في الحديث عن فنون إعداد وطهي الطعام، فجاءت الفكرة بتقديم برنامج رمضاني للطبخ وتأجيل فكرة برنامج المراسل إلى ما بعد العيد".

تصدّر عبد الجابر الترند في مصر بعد عودته للأضواء من برنامجه الشيف طارق لم يكن فقط بسبب الطبخ، لكن أيضا للموضوعات الاجتماعية التي أضافها إلى محتوى برنامجه، ليس بشكل متعمق، لكن بما يتناسب مع برنامج للطهي.

يقول عبد الجابر "موضوعاتنا الاجتماعية تربط بين الأكل والحياة، فليس من الطبيعي أن أتحدث عن مشاكل اجتماعية أو مجتمعية كبرى في أجواء القلي والتحمير وإعداد الطعام".

مراسل الجزيرة يذكرني بشبابي

لم يتوقف كبير مراسلي التلفزيون المصري عن متابعة تقارير المراسلين من كافة مناطق الصراع حتى اليوم، ويشيد بأداء مراسلي الجزيرة في التغطية الأوكرانية، مضيفا أن مراسل الجزيرة عمر الحاج يذكره دائما بشبابه، وذلك بأدائه المختلف وتقاريره المتميزة.

بعد رمضان سيتوقف برنامج الشيف، لتعود شخصية المراسل طارق عبد الجابر، ليتحدث عن المهنة وما كانت عليه وما صارت إليه الآن.

ويضيف المراسل المصري الأشهر أنه أيضا بصدد إعداد برنامج "غواص في بحر السينما المصرية"، والذي يحكي فيه كواليس العديد من الأفلام المصرية القديمة وقصصا مثيرة عن نجوم السينما ونجماتها في الزمن الجميل.

سنوات الغربة والاغتراب

حزن كبير يجتاح عبد الجابر عندما يتذكر الفترة التي ابتعد فيها عن مصر وما لحق به حينها من وحدة وحزن ومرض، وهو دائما ما يبعدها عن ذاكرته ولا يحب الحديث عنها، مضيفا "الحمد لله أن مرت على خير".

الحزن أيضا يملأ صوت عبد الجابر حينما يتحدث عن الطفرة التكنولوجية التي نعيشها اليوم ولم تكن ظهرت في أوج تألقه، فاليوتيوب لا يحتفظ بتقاريره التلفزيونية، ولم يسجلها التلفزيون المصري في أرشيفه، لكنه لا يزال يحتفظ بكل ما كتب وقرأ وأذاع في شرائط وتسجيلات خاصة ربما يوما يجد طريقا لنشرها عبر مذكرات تروي ما كان يحدث والأسرار التي قيلت له والتي حكمت عليه أخلاقيات المهنة ألا يبوح بها، لكن الزمن كان كفيلا بأن يفتح الباب لرواية ما خفي وكان أعظم.

المصدر : الجزيرة