مارشوك.. الرسام الأوكراني الذي تمرّد على السوفيات
أحبَّ مارشوك أوكرانيا حبّا جمّا، ويظهر ذلك بشكل جلي عندما صوّرها في لوحاته المليئة بالدهشة.
يعدّ إيفان ستيبانوفيتش مارشوك واحدًا من ألمع الفنانين الأوكرانيين، إذ حصد خلال مسيرته العديد من الجوائز تكريمًا لمساهماته الفنية، أبرزها جائزة أوكرانيا الوطنية تي.جي شيفتشينكو (National Prize of Ukraine T.G. Shevchenko) عام 1997.
كما قبلته الأكاديمية الدولية للفن المعاصر في روما في صفوف النقابة الذهبية، وانتُخب عضوا فخريا في المجلس العلمي للأكاديمية عام 2007، بالإضافة إلى إدراجه في التصنيف البريطاني "100 من عباقرة اليوم" عام 2007، الذي أعدته الصحيفة البريطانية ديلي تلغراف (The Daily Telegraph).
اقرأ أيضا
list of 4 itemsجوفاني كاناليتو.. الرسام الإيطالي الذي جعل فنيسيا تسافر حول أوروبا
الحرملك في لوحات المستشرقين.. سياسات استعمارية وفانتازيا شهوانية
لوحات الحروب على مر التاريخ.. من الفن المصري القديم إلى الحروب العالمية
طفولة صعبة وموهبة مبكرة
ولد مارشوك في 12 مايو/أيار 1936 في منطقة موسكاليفكا، ونشأ فقيرا في كنف عائلة من النساجين، وامتاز منذ صغره بحبّ أسرته، حيث كان يساعد والده في العمل من أجل تغطية نفقاتهم المادية.
بدأ مارشوك الرسم عندما كان طفلا، واستمر في تطوير موهبته في سنّ المراهقة على الرغم من الوضع المادي السيئ.
يقول في إحدى مقابلاته "أدركت أنني أريد أن أكون فنانا عندما كنت في الصف السابع، ولم يكن لدي أي شيء لأرسم به، لا الأقلام أو ألوان الرصاص.. عندها استخدمت الأزهار للرسم".
قرر احتراف الفن في سن المراهقة، فشرع بدراسة الرسم الزخرفي في مدرسة إيفان ترش لفيف للديكور والفنون الجميلة بين عامي 1951 و1956، ثم تابع بعد ذلك في قسم الخزف في معهد لفيف الحكومي للفنون التطبيقية والزخرفية.
التمرّد على الواقعية ومواجهة القيم السوفياتية
عندما دخل مارشوك المعهد التطبيقي كان شكل الفن السائد آنذاك هو الفن الواقعي المؤدلج على أسس الاشتراكية الذي اشتهر به الاتحاد السوفياتي بشكل خاص، وتتميز هذه المدرسة بواقعية نقلها لأدق التفاصيل في الشخوص واللوحات.
لكن بحلول عام 1959، انحاز مارشوك إلى مجموعة سرية من الفنانين وبعض أساتذة المعهد التقدميين الرافضين لهذا الشكل النمطي من الفن، والمطلعين على كثير من أنماط الفنون حول العالم بقيادة أستاذه كارل زفيرينسكي الذي لعب دورا كبيراً في تعريف الشباب بالإنجازات الثقافية العالمية والصفحات المخفية من التاريخ الأوكراني.
وسرعان ما بدأت مدرسة "زفيرينسكي" (Zvirynskyi) للفنانين الشباب عام 1959، واستمرت اجتماعاتها السرية الصغيرة لمدة 10 سنوات تقريبا. وإلى جانب الرسم والتأليف والتأريخ، قامت المدرسة أيضاً بتدريس الأدب العالمي والموسيقى والدين.
بعد الخدمة في الجيش، واصل دراسته في قسم الخزف في معهد لفيف للفنون التطبيقية، وتخرج عام 1965، ولكسب المال عمد إلى العمل في منظمة كانت تصنع الملصقات واللافتات للمصانع والنوادي والمسارح، واستمر في ذلك حتى عام 1968، ليعمل بعد ذلك في معهد المواد الفائقة الصلابة التابع للأكاديمية الوطنية للعلوم، لكن الأجور المنخفضة والإقامة في شقة مشتركة جعلت الحياة في العاصمة كييف صعبة عليه.
بين عامي 1968 و1984، عمل خلال أوقات فراغه في رسم الرسوم الإيضاحية في مصنع كييف للفنون الأثرية والزخرفية التي سيطرت عليها الرتابة الفنية الأيديولوجية السوفياتية، بعد أن تم حظر استخدام التقنيات الغربية. في ذلك الوقت، ابتعد مارشوك عن الرسومات الغرافيكية وتناول الحبر والحرارة بجدية والتزام فائق، فكان يعمل بلا كلل تحت شعار "أنا ما أنا عليه".
ومنذ أن تحدى عمل مارشوك تقاليد الواقعية الاجتماعية، سعت الحكومة السوفياتية إلى تدمير حياته الفنية من خلال تجاهل أو قمع عمله وحتى توجيه المخابرات السوفياتية "كيه جي بي" (KGB) لاضطهاده وتهديده بشكل مباشر. واستمرت هذه المعاملة لسنوات إلى أن بلغت ذروتها في السبعينيات، وتسببت في فرض حظر غير رسمي على فن مارشوك لأكثر من 17 عاماً.
كل هذه الضغوط دفعته لمغادرة بلاده في أواخر الثمانينيات، ليتنقل بين كندا وأستراليا والولايات المتحدة الأميركية، ولمع نجمه هناك لينال العديد من الجوائز والتكريمات. لكن، وعلى الرغم من ذلك، عاد مارشوك للإقامة في بلده الأم أوكرانيا عام 2001 وهو يحمل صفة فنان عالمي، في حين التزم كثير من فناني جيله بالبقاء والعمل تحت سقف الحكومة في مهن تقليدية.
أسلوب فريد من نوعه
لعل التنقل الدائم في دول كثيرة والتغلغل في أنواع الفنون وتقنياتها المختلفة ساهم في إغناء ثروة مارشوك الإبداعية، فاستخدم في أعماله عدة أنماط حديثة شبه تجريدية وسريالية، مما منحها خليطاً نادراً من عدة مدارس فنية، لتتحول إلى نسيج معقد من الخطوط الانطباعية الهادئة والتعبيرية الحية مع الاستخدام الدرامي للضوء والظلال.
بدأ مارشوك طريقه الفني الفردي في موسكو عام 1979 وكييف عام 1980، وله 43 لوحة مستوحاة من شعر تاراس شيفتشينكو تم عرضها في متحف محمية شيفتشينكو الوطنية.
أطلق على أسلوب مارشوك الفريد اسم "بليونتانيزم" (Pliontanism)، وهو أسلوب يعتمد على الخطوط الرفيعة المتشابكة التي تندمج مع بعضها مكونة العمل الفني.
أحب مارشوك أوكرانيا حباً جماً، وظهر ذلك بشكل جلي عندما صورها في لوحاته المليئة بالدهشة.
تشهد معارض مارشوك الدولية العديدة على الاهتمام العام بأوكرانيا وبه على وجه الخصوص، وقد بات معروفاً جداً حتى خارج الولايات المتحدة.
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، عرضت أعماله في العديد من البلدان، مثل ليتوانيا وألمانيا وبولندا وبلجيكا والمجر والتشيك وسلوفاكيا وتركيا ولوكسمبورغ وتايلند وتونس.