في اليوم العالمي للمسرح.. الحكواتي الفلسطيني الوحيد بالقدس يصارع البقاء

3-أسيل جندي، المسرح الوطني الفلسطيني الحكواتي، القدس، صورة من إحدى العروض المسرحية على خشبة مسرح الحكواتي(الجزيرة نت).jpg.jpg
عرض مسرحي على خشبة الحكواتي (الجزيرة)

القدس المحتلة- ممرات فارغة موحشة وجدران باردة وهدوء مقلق يسود أروقة وقاعات المسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي) في القدس.

حرص على القدوم إليه ممثلون ومخرجون مسرحيون صادفتهم الجزيرة نت هناك وهم يتحلقون حول مدفأة صغيرة، وينبشون معا ذكريات عقود الانتعاش التي مرّت على المكان ويتحسرون عليها جازمين أنّها ذهبت ولن تعود.

في اليوم العالمي للمسرح، لن يتمكن الحكواتي من تنظيم فعالية احتفالية ولا عرض مسرحي مع استمرار تعمق الأزمة المالية التي عصفت به منذ وصول جائحة كورونا إلى القدس، والتي أدت إلى إغلاقه لمدة 20 شهرا متواصلة.

ولد اليوم العالمي للمسرح إثر مقترح قدمه رئيس المعهد الفنلندي للمسرح الناقد والشاعر والمخرج أرفي كيفيما (1904-1984) إلى منظمة اليونسكو في يونيو/حزيران 1961. وجرى الاحتفال الأول به يوم 27 مارس/آذار 1962 في باريس، تزامنًا مع افتتاح مسرح الأمم.

عن يومهم العالمي وعن انتمائهم للحكواتي -المسرح الفلسطيني الوحيد في القدس- ورفضهم تخليهم عنه باعتباره الدفيئة التي تحتضنهم منذ تأسيسه عام 1984 تحدث كل من الفنان حسام أبو عيشة والفنانة رائدة غزالة والفنان الذي يدير المسرح حاليا عامر خليل للجزيرة نت.

قصص كثيرة انسابت على لسان الفنان حسام أبو عيشة الذي قال إن 10 فرق مسرحية كانت تتناوب على التدريبات في قاعات المسرح، وتنتظر إحداها الأخرى ويعجّ الفناء الداخلي والخارجي بحيويتهم وضحكاتهم.

1-أسيل جندي، المسرح الوطني الفلسطيني الحكواتي، القدس، صورة عامة من إحدى قاعات المسرح يظهر بها عدد من الجمهور(الجزيرة نت)
صورة عامة سابقة من إحدى قاعات المسرح يظهر بها عدد من الجمهور (الجزيرة)

منحنا الدفء ونمنحه المساندة

"اعتليتُ خشبة مسرح الحكواتي مئات المرات وأعتبره بيتي الثاني ويؤلمني جدا الحال الذي وصل إليه، وفي ظل الأزمة بات لزاما علينا نحن الذين أعطانا هذا المسرح ما نحتاجه على مدار عقود أن نسنده ونعطيه ونقف بجانبه كي لا يُغلق".

ويرى أبو عيشة أن الأزمة المالية التي يمر بها المسرح غير مبررة، إذ يجب أن تُخصص ميزانية شهرية له لتمكين إدارته من تغطية المصاريف التشغيلية، مشيرا إلى أن وجود مسرح فلسطيني في القدس هو حاجة وطنية وثقافية ومجتمعية ملحة.

وأضاف أن "للقدس حقا على الجميع ولا نريد أن نسمع شعارات بعد الآن، لأن الجدار الثقافي والتربوي في القدس هو الجدار الأخير الذي يستند عليه الفلسطينيون في المدينة اليوم".

4-أسيل جندي، المسرح الوطني الفلسطيني الحكواتي، القدس، صورة من إحدى العروض المسرحية على خشبة مسرح الحكواتي(الجزيرة نت).jpg.jpgJPG
أحد العروض المسرحية على خشبة الحكواتي (الجزيرة)

بصوت منخفض وبنبرة حزينة تحدثت المخرجة والممثلة المسرحية رائدة غزالة عن مسرح الحكواتي قائلة إنها تجولت خلال رحلتها المهنية في بلدان ومسارح كثيرة لكنها كانت تعود دائما إلى الحكواتي.

"المسرح الوطني الفلسطيني مختلف. فيه تاريخ وذكريات وقصص لم ولن تمحى من ذاكرتنا.. ولكل إعلان مسرحي على جدرانه حكاية فصولها طويلة عامرة بحبنا للمسرح وانتمائنا له".

عادت رائدة بذاكرتها إلى بداية تسعينيات القرن الماضي عندما كانت تتردد على الحكواتي كمتدربة ثم كممثلة لأدوار صغيرة أتبعتها بأدوار بطولة كثيرة، وعلى خشبته أيضا تتلمذ ممثلون وممثلات مسرحيات على يديها.

ما يؤلم هذه الممثلة عدم وجود حراك جدي للعمل على النهوض بالحالة الثقافية في القدس والحد من تدهورها خاصة بعد جائحة كورونا.

"المسرح جزء أصيل من الثقافة الفلسطينية في القدس، وفي حال احتضاره سنخسر هذا الجزء المستهدف بالتهويد، ومن هنا تنبع أهمية الحفاظ على هذا الصرح الثقافي في العاصمة المقدسة".

6-أسيل جندي، المسرح الوطني الفلسطيني الحكواتي، القدس، صورة يظهر بها الفنان حسام أبو عيشة مع الممثلة رائدة غزالة(الجزيرة نت).jpg.jpg
الفنان حسام أبو عيشة مع الممثلة رائدة غزالة (الجزيرة)

ختمت رائدة غزالة حديثها بالقول إن اليوم العالمي للمسرح يمر ثقيلا على الفنانين في القدس منذ سنوات، وإن رؤية هذا المسرح يصارع البقاء أمر يؤلمها ويُشعرها والمسرحيين الآخرين بالخسارة وبفقدان حافز مهم لبذل جهود في العمل.

ويرأس المسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي) منذ عام 2014 الفنان عامر خليل الذي قال إن المسرح منذ عام 2015 أنتج 22 عملا مسرحيا، لكنه يعيش الآن حالة من الاحتضار جراء تداعيات كورونا التي تسببت بفترات إغلاق طويلة.

"لم تؤجر القاعات ولم تنظم العروض بشكل مستمر وفي حال نُظمت فإن مدخولها بسيط جدا مقارنة بالمصاريف التشغيلية، ونعاني الآن من عجزنا عن تغطيتها ومن تخلفنا منذ 6 أشهر عن دفع رواتب 8 موظفين مثبتين".

8-أسيل جندي، المسرح الوطني الفلسطيني الحكواتي، القدس،مدير المسرح الوطني الفلسطيني الحكواتي والممثل المسرحي عامر خليل(الجزيرة نت).jpg.jpg
مدير المسرح الوطني الفلسطيني الحكواتي والممثل المسرحي عامر خليل (الجزيرة)

صرح ثقافي ينهار

أكبر المعوقات التي تواجه المسرح منذ سنوات -وفقا لخليل- هو التمويل المشروط الذي يُكبل المسرح والرؤية الخاصة به، إذ "يتعامل الممولون معنا كأداة تنفيذية فقط، ونحاول الآن إيجاد جهات عربية مانحة تؤمّن للمسرح مبلغا شهريا ثابتا بحيث تكون المصاريف التشغيلية مدفوعة لأن قيمتها الشهرية تتعدى 20 ألف دولار، وهو ما نعجز عن توفيره حاليا".

شارك خليل في ترميم المسرح وافتتاحه عام 1984 وعن شعوره تجاه حاله اليوم قال "يؤلمني رؤية المسرح ينهار أمامي كما تؤلمني حالة عدم الاكتراث بهذا الصرح.. الثقافة مجال راقٍ ومن القسوة أن يشعر الفنان أنه أصبح عالة على مجتمعه".

يذكر أن المسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي) افتتح في مدينة القدس في 9 مايو/أيار من 1984 كأول مسرح فلسطيني ومركز ثقافي متخصص، ومنذ افتتاحه حرص المسرح على أن يكون منبرا للقاء والنشاط الثقافي والفني لتطوير إستراتيجيات وأنشطة ترتقي بالعمل الفني والمسرحي الملتزم على المستوى الوطني.

المصدر : الجزيرة