جدل فلسطيني ودعوات قضائية ضد القائمين على "صالون هدى"
جاء في بيان وزارة الثقافة أن لا علاقة لها بالفيلم مؤكدة رفضها في وقت سابق لتمثيله دولة فلسطين في مسابقة الأوسكار الدولية.
رام الله- "المشتكى عليهم ومن موّلهم وساعدهم وشاركهم أساؤوا إلي إساءة شخصية كوني فلسطينيا وأحمل الهوية الفلسطينية وأحد الأسرى المحررين وقد قدموا هذا الفيلم أمام دور السينما المختلفة على أنه فلسطيني ويعكس واقع المجتمع، كما أن الفيلم أساء إلى أسرتي ومجتمعي وقضايا الشعب الفلسطيني الوطنية والقيمة الدينية والأخلاقية، وينافي أبسط قواعد الأخلاق".
كان هذا جزءا من مبررات الدعوى القانونية التي تقدم بها المحامي حسام بسطامي (41 عاما) من مدينة نابلس (شمال الضفة الغربية) على مخرج وممثلي فيلم "صالون هدى" الذي أثار جدلا كبيرا في الأوساط الفلسطينية لما يحويه من مشاهد وصفت بالإباحية، وأسهمت في تشويه صورة المناضلين والمقاومين.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsمفاوضات وحلول مقترحة.. هل يحسم مصير فيلم “أميرة” قريبا؟
بعد حملات مناهضة للتطبيع.. تونس تمنع عرض فيلم “جريمة على ضفاف النيل”
السيسي من الإشادة بفيلم “الممر” إلى انتقاد “الإرهاب والكباب”
ويتناول فيلم "صالون هدى"، وهو من إخراج هاني أبو أسعد، أحد أساليب الاحتلال الإسرائيلي في ابتزاز الفلسطينيين وإجبارهم على التعامل معه ليكونوا "جواسيس"، من خلال عمليات الإيقاع والتوريط التي كانت صالونات التجميل النسائية من أوكارها في الانتفاضة الأولى.
خلال أحداث الفيلم، تقوم صاحبة صالون نسائي تدعى "هدى" (تمثل دورها الفنانة منال عوض من بيت لحم) بتوريط ريم (ميساء عبد الهادي من مدينة الناصرة)، بعد تصويرها في أوضاع إباحية، وبعد كشف المقاومة لما تقوم به هدى تخضع للتحقيق والإعدام في نهاية الفيلم.
وبالتزامن، قدم المحامي شادي محمد من مدينة بيت لحم شكوى مماثلة، تتضمن المحتوى نفسه لنص الشكوى التي تقدم بها البسطامي رغم أنه لا اتفاق سابقا بينهما.
البسطامي قال إنه أقدم على تقديم هذه الشكوى لأن هذا الفيلم مسّه بشكل شخصي كونه مواطنا فلسطينيا وأسيرا سابقا على مدى 12 عاما؛ "الفيلم يشوّه صورة المقاومين وهم شريحة عشت معها في السجون، ومن المعيب أن يمس أحد تاريخهم النضالي باسم الفن".
وعن توقعاته من نتيجة هذه الشكوى، قال "أتوقع استدعاء الفنانة منال عوض كونها الوحيدة التي تحمل الجنسية الفلسطينية، في حين يحمل بقية الممثلين والمخرج الجنسية الإسرائيلية، وطموحي أن نصل إلى حجب الفيلم".
وكان البسطامي ينوي توجيه الشكوى أيضا ضد وزير الثقافة بصفته الوظيفية، ولكن إصدار وزارة الثقافة لبيان يتوافق مع موقفه من الفيلم جعله يتراجع عن ذلك.
وزارة الثقافة: لا علاقة لنا بالفيلم
وجاء في بيان وزارة الثقافة أن لا علاقة لها بالفيلم مؤكدة رفضها في وقت سابق لتمثيله دولة فلسطين في مسابقة الأوسكار الدولية.
وقالت الوزارة إن فريق الفيلم قدم نسخة وقتئذ تخلو من المشاهد المخلّة بالأخلاق إلى اللجنة التي شكلها الوزير لاختيار الفيلم الذي سيمثل فلسطين، إلا أن اللجنة أشارت إلى ضعف بنيته وعدم مقدرته على تقديم صورة صادقة أو قابلة للتصديق في شخصياته الرئيسة وفي تقديم صورة المقاومة والعملاء والعلاقة مع الاحتلال.
وحسب الوزارة، فإن المشاهد التي احتواها الفيلم تمس صورة الشعب الفلسطيني وقيمه وأخلاقه، وتمس صورة السينما الفلسطينية التي كان لها سبق الريادة في إطلاق السينما العربية.
وأثار الفيلم كثيرا من الرفض والغضب في الشارع الفلسطيني؛ بلغ حد اتهام مخرج الفيلم بتعمّده الإساءة إلى صورة النضال الفلسطيني عبر هذا الفيلم وأفلام سابقة له، مثل "الجنة الآن" الذي ينال من ظاهرة الاستشهاديين في الانتفاضة الثانية، وليس ببعيد كان ارتباط اسمه بفيلم "أميرة" الذي أنتجه وقد أدى الفيلم إلى موجة كبيرة من الانتقادات بعد تناوله قضية أطفال النطف المهربة.
سابقة في القضاء الفلسطيني
التوجه إلى القضاء الفلسطيني يعدّ سابقة في الحالة الفلسطينية، ولكنه خطوة إيجابية في الاحتكام إلى القانون في قضية تسيء إلى القيم التي يقبلها الشعب الفلسطيني، كما يرى القاضي السابق والمحامي الدكتور أحمد الأشقر.
وتوقع الأشقر -في حديثه للجزيرة- مواصلة الدعوى الجزائية على من يحمل الهوية الفلسطينية من الممثلين، وإحالة الملف على المحكمة، وتقديم دعاوى لاحقة بالحق المدني على المنتجين للفيلم جراء الضرر المعنوي.
ويرى الأشقر أن عدم حمل المخرج وبقية الممثلين للجنسية الفلسطينية لا يعفيهم من الملاحقة القانونية، بل إن في القانون ما يمكّن من محاكمة كل من يمس بالحقوق الفلسطينية على أرض فلسطين حتى لو كانوا من حملة الجنسية الإسرائيلية نظرا لبطلان اتفاقية أوسلو، والفيلم صُوّر بالكامل في مدينة بيت لحم.
الناقد والمحاضر في الإعلام سعيد أبو معلا رغم تحفظه على محتوى الفيلم وإقراره بأنه يقدم صورة مشوهة عن المقاومة والمناضلين، فإنه رفض أي مظهر من مظاهر محاكمة الفن أو تقييده من خلال دعوى قضائية أو الحجب.
وأشار أبو معلا -في حديث للجزيرة- إلى أن الأصل أن يترك الحكم للجمهور القادر على التمييز والحكم، بخاصة أن في الفيلم من الرداءة وضعف المحتوى ما يجعله يسقط فنيا، وقال "الشعب الفلسطيني يجب ألا يتبنّى المنع والرقابة على الفن لأي سبب من الأسباب".
كما لم ينتقد أبو معلا المشاهد الإباحية في الفيلم، معتبرا أنها خيار المخرج في تقديم المشاهد، ولكن المشكلة الأساسية برأيه هي المحتوى الذي قدّم فيه المقاومة في صورة عصابات مجرمة، وغلّب فيها منطق الجاسوسية الذي يبرر العنف الممارس على النساء في المجتمع الفلسطيني.
وتابع "عزز هذه الصورة عن المقاومة مشهد الختام الذي أظهر المقاومة التائهة بلا توجه واضح أو رؤية".
وحسب أبو معلا، فإن هذا الفيلم كُتب وصُوّر على مقاس الجمهور الغربي، من أجل ضمان التمويل الأجنبي له، وما يترتب على ذلك من العرض في المهرجانات.
ورغم حالة الرفض للفيلم ومحتواه، دافع عنه مخرج الفيلم هاني أبو أسعد في تصريح صحفي قال فيه إن المهمة الأساسية للسينمائي هي توجيه أسئلة أكثر من إيجاد إجابات، وإن الفيلم مستوحى من حقيقة موجودة، فقد كانت الاستخبارات الإسرائيلية تستخدم وجود صالات التجميل للإيقاع بالنساء الفلسطينيات.
وأضاف أن التحدي الكبير الذي طرحه الفيلم هو عدم تحديد من تكون الضحية ومن هو الجلاد.
حالة الرفض والغضب مبررة
الكاتب ووزير الثقافة السابق إيهاب بسيسو يرى أن حالة الغضب والرفض الشعبي للفيلم ومحتواه مبررة ونابعة من غيرة وطنية على مواطن الدفء في الذاكرة الجمعية، فلا أحد ممن انتقد الفيلم لديه مشكلة شخصية مع صنّاع الفيلم.
وفي تحليله لحالة الجدل القائمة حول الفيلم وأعمال سينمائية أخرى تناولت النضال الفلسطيني ضد الاحتلال، قال للجزيرة نت إن "حالة الترهل السياسي في السنوات الماضية جعلت الفلسطيني يتمسك بالمراحل المشرقة من التاريخ الفلسطيني المعاصر وبحالة من الالتفاف حولها، ورفض أي مساس بها".
وقال بسيسو إن هذا الفيلم وغيره من الأعمال التي رفضها الشارع الفلسطيني يجب أن تطرح التساؤل عن سبب التباين الحاد في صناعة الثقافة، التي أساسها صناعة ثقافة ممولة من جهات لا تتفق مع الرواية الفلسطينية التاريخية، مشيرا إلى أنه ليس الفيلم الأول ولن يكون الأخير، وهو ما يحتاج إلى وقفة جادة ونقاش موضوعي على المستوى الثقافي والإبداعي.
وهذه المراجعة، كما يقول بسيسو، هي مسؤولية الجهات الرسمية والثقافية التي عليها تصحيح مسارات العمل الثقافي بوضع سياسات ثقافية وموازنات ملائمة، والاهتمام بصناعة الثقافة التي تحمل الرواية الفلسطينية وتعبر بها من جيل إلى جيل.
ويرفض بسيسو ما ذهب إليه البعض من أن مقاضاة الفيلم ورفضه يأتي على حساب حرية الفن، ويقول "لا توجد حرية مطلقة، ففي الوقت الذي تذهب فيه الحريات إلى المساس بمعتقدات الآخرين وأفكارهم وتاريخهم يجب أن نتوقف".
وتساءل بسيسو بغضب "وأين هي الحريات التي يتحدث عنها الجميع والمحتوى الفلسطيني يحارب على مواقع التواصل الاجتماعي وصفحاتنا؟".
ووفقا لبسيسو، فإن هناك ما يعرف في كل العالم بالحساسية الثقافية تجاه مكونات أي مجتمع، وتشمل العادات والعقائد الدينية والتقاليد، وأي خروج عنها يصنف على أنه إساءة لهذا المجتمع، و"في حالتنا الفلسطينية يكون الأولى أن نتمسك بهذه الحساسية ونحن نعيش تحت احتلال".