مسلسل "إيجار قديم".. قضية قديمة بمعالجة عصرية

مسلسل "إيجار قديم" // مسلسل مصري يعرض على منصة Watchit
حظي مسلسل "إيجار قديم" بترحيب الجمهور والنقاد (مواقع التواصل الاجتماعي)

يجتمع الأصدقاء والجيران للاحتفال بعيد ميلاد "عم حسين" (صلاح عبد الله)، ويأتي ابنه طارق (محمد الشرنوبي) متناسيا الخلافات العميقة بينهما، لتكون هذه اللحظات السعيدة هي آخر أيام حسين، وتخرج جنازته في اليوم التالي في مشاهد أثارت تعاطف الجمهور على مواقع التواصل.

تأتي هذه الأحداث ضمن مسلسل "إيجار قديم" الذي بدأ عرضه في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2022، محققا أعلى المشاهدات على منصة "واتش إت" (Watch It)‏، ويلعب بطولته شريف منير وصلاح عبد الله وفيدرا ومحمد الشرنوبي وهشام إسماعيل وميمي جمال وحازم سمير ورحمة حسن وبسمة داود وإلهام وجدي.

ويقدم المسلسل -الذي كتبه عمرو الدالي وأخرجه طارق رفعت- في إطار الدراما الاجتماعية؛ عددا من الحكايات الإنسانية داخل عمارة سكنية، أبرزها قصة معلم التربية الموسيقية رمزي (شريف منير)، الذي يمتلك العمارة ويؤجر شققها بنظام الإيجار القديم (إيجار غير محدد بعدد سنوات ويورث للأبناء). وعندما لا يجد هو نفسه مكانا ليقيم فيه، يستضيفه الساكن حسين (صلاح عبد الله). وبعد وفاة حسين، يشتعل الصراع بين رمزي ونجل حسين الشاب طارق (محمد الشرنوبي)، ويصل الخلاف بينهما إلى المحاكم.

وقد لاقت مشاهد وفاة حسين (صلاح عبد الله) تفاعلا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي، وفضّل بعضهم أن يستمر عبد الله فترة أطول في المسلسل، لكن ذلك لم يكن ممكنا، لأن الصراع الأهم يبدأ هنا، وهو ما أكده مؤلف المسلسل عمرو الدالي، متعمدا أن تكون شخصية حسين محبوبة بهذا القدر الكبير حتى يحدث ما حدث عند وفاته، ليشتعل الصراع بين صاحب العقار وابن حسين على الشقة.

"تتر" مبهج

وينبغي الإشارة إلى أغنية الـ "تتر" (شارة المسلسل) المبهجة، بصوت هشام عباس ومحمد الشرنوبي، حيث تعبر بدقة عن روح "إيجار قديم"، وتناسب فكرته عن الصراع بين جيل الكبار والشباب، والحنين إلى القديم وتقاليد الكبار، أو خروج الشباب على تقاليدهم، وبكلمات جميلة وبسيطة في حوار بين الجيلين، ويؤكد ذلك هشام عباس "اللي ملوش قديم ملوش جديد".

تنافس بين الممثلين

يقدّم الممثلون أفضل أداء ممكن، اعتمادا على سيناريو جيد ومخرج يبتعد عن إبراز عضلاته الفنية، ويركز على تقديم ما يكفي لعرض حكاية مسلية وجرعة مضبوطة من المشاعر، ابتعدت عن الزيادة المفرطة في أغلب الأوقات.

وتذهب البطولة إلى شريف منير الذي يتقن دوره، ويؤدي مشاهد جيدة مع الفنان صلاح عبد الله في الحلقات الأولى من المسلسل، ثم مع الشرنوبي في النصف الثاني من أحداث المسلسل، لا سيما في مشاهد خلافاتهما ومحاولة مضايقة كلٍّ منهما للآخر عندما يتشاركان الشقة ذاتها، ثم تتحول علاقتهما تدريجيا إلى صداقة عميقة بين أخ أكبر أو أب يعطي النصائح لشاب أصغر سنا، لا سيما بعد أن يقف معه الشرنوبي في مرضه.

"إيجار قديم" يمسّ الجميع

أراد الكاتب عمرو الدالي تقديم عمل فني بسيط يدخل كل المنازل من دون خجل أو إحراج، وفي الوقت عينه يمس الجمهور بمختلف طبقاته، وهو ما نجح فيه صاحب مسلسلات "بميت وش" و"ضد الكسر" و"دوان شبرا"، كما جاء تناوله لقضية الإيجار القديم كقضية عامة، يقدم من خلالها قضايا أخرى مثل الرجوع إلى الأصل والعادات والتقاليد والأشياء القديمة التي فقدناها من خلال قصص أبطال المسلسل ومشكلاتهم.

لقاءات حميمية

تتصاعد أحداث مسلسل "إيجار قديم" من حلقة إلى أخرى، فنرى كيف تتحول الخلافات العميقة إلى لقاءات حميمية، بين الأب والابن أو الفتى وحبيبته، والجار وجاره. تفاصيل إنسانية بسيطة ومشاعر بشرية فياضة عبّر عنها صانعو المسلسل، وكيف يتحول الصراع في المحاكم بين شريف منير والشرنوبي إلى علاقة صداقة قوية، يغمره خلالها منير بنصائح أبوية، من عاشق قديم للموسيقى إلى فنان شاب لا يزال أمامه الطريق مفتوحا، وأهم ما ينصحه به ألا يضحي بأحلامه من أجل علاقته بخطيبته، لأن "الأحلام لمّا بتتأجل، بتموت".

يمكن للمشاهد أن يجد نفسه في كثير من شخصيات وأحداث المسلسل، في قصة حب فتى ومحبوبته وخلافاتهما بعد الخطوبة، في علاقة هذا الفتى ووالده بسبب هذه الزيجة ورفضه لها، في مشاهد الاحتفال بعيد ميلاد الأب المسن، أو الوداع المؤثر للابن لجثمان والده، ثم وقفة هذا الابن مع صديق والده في مرضه رغم ما بينهما من قضايا ومحاكم.

وتقدم الفنانةُ الكبيرة ميمي جمال شخصية "ثريا" التي هي من أجمل شخصيات المسلسل، فهي الممثلة الشهيرة التي فقدت بريقها، والتي تتذكر كيف كانت نجمة لامعة يتسابق إليها المنتجون والمخرجون لنيل رضاها، وذكرياتها كممثلة لها جمهور عريض، وطموحاتها لتقدم مزيدا من أدوار السينما والمسرح، وعندما تجد الفرصة مرة أخرى، يصدمها كيف تُعامل كممثلة ثانوية ولم تعد النجمة نفسها التي كانت معروفة.

دراما "أخلاقية"

يتميّز مسلسل "إيجار قديم" بتقديمه دروسا أخلاقية غير مباشرة من خلال مواقف إنسانية جميلة ونبيلة ولا تبتعد أبدا عن الواقع أو تتجاوز حدود المنطق وترضي النقاد والجمهور، ويمكن أن تجتمع الأسرة المصرية والعربية لمشاهدتها ومتابعة حلقاتها، مع الابتعاد عن كل ما يمكن أن يثير قلق الآباء. فلا ألفاظ خارجة عن الأدب، أو مشاهد جارحة أو جريئة، من دون أن يتخلى صانعو المسلسل عن الواقعية أو التسلية أو بعض الكوميديا والتشويق، ومن دون الكثير من المباشرة في التناول.

وربما كان من الأفضل أن يخرج المسلسل عن الإطار التقليدي للمسلسل التلفزيوني المكوّن من 30 حلقة، خصوصا أن العرض يأتي خارج الموسم الرمضاني (وأغلب مسلسلاته لا تزال تلتزم بطريقة 30 حلقة)، وقد اعتاد الجمهور خلال السنوات القليلة الماضية على مسلسلات من 10 حلقات أو 15 حلقة، خصوصا على المنصات الإلكترونية، فلماذا الإصرار على تقديم "إيجار قديم" في إطار 30 حلقة؟

عمل ماتع

ولقي المسلسل منذ عرضه ترحيبا من النقاد والصحفيين. وأشادت الناقدة ماجدة خير الله بفريق الممثلين بجميع أجياله، وما يقدمه المسلسل من حكايات مفعمة بالحياة والتفاصيل العصرية، التي تجمع وتفرق مجموعة من البشر، يعيشون في عمارة سكنية، تختلف المصالح وتؤدي أحيانا إلى تراشق وصراعات كثيرا ما تنتهي بالود وتحكيم العقل أو تتفاقم، مشيرة إلى أن "العمل ممتع، الحوار ذكي وخلاب، وإيقاع العمل لاهث، والنماذج المعروضة شديدة الحيوية، تُنتظر حلقاته من يوم إلى آخر".

كما تحولت مشاهد كثيرة من مسلسل "إيجار قديم" إلى رسومات (ميمز) تنشرها صفحات القنوات التلفزيونية التي تعرض المسلسل، ويتداولها الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأشاد المتابعون على مواقع التواصل بخفة دم المسلسل، وتقديمه كوميديا من المواقف والأحداث البسيطة، وتناوله قضايا المجتمع من دون إسفاف أو عنف أو ألفاظ خارجة، كما يحمل روح مسلسلات الثمانينيات.

المصدر : الجزيرة