فيلم "السمسار".. هل يمكن العيش من دون عائلة؟

Broker
"السمسار" فيلم يؤكد المخرج من خلاله مرة أخرى مدى سعادة الإنسان داخل عائلة (الجزيرة)

يستمد فيلم الدراما الكورية "السمسار" (Broker) أحداثه من فكرة صناديق الأطفال؛ حيث يترك بعض الناس الأطفال حديثي الولادة غير المرغوب بهم في صناديق أمام الكنائس لتتبناهم عائلات أخرى.

وأحيانا يحدث ذلك لعدم قدرة هؤلاء على إعالة الطفل، وأحيانا يحدث نتيجة ولادته من علاقة غير شرعية يترك فيها أحد الطرفين الآخر ليواجه مصير التربية وحده، فلا يحتمل ذلك.

يقول المخرج والمؤلف هيروكاز كور إيدا للجزيرة نت إن فكرة الفيلم جاءت عندما كان يعمل على فيلم (Like father like son) الذي يعني بالعربية "من شابه أباه فما ظلم"، ووجد تشابها كبيرا في قوانين التبني بين كوريا الجنوبية التي يعيش فيها وبين اليابان، ففي البلدين لا يُعبأ كثيرا بحسابات ترك الأطفال حديثي الولادة، ولا توضع عقوبات على الآباء الذين يفعلون ذلك، وربما كان ذلك نتيجة اعتبار أن المجتمعين يتجاهلان الالتزامات الأسرية التي قد تعطل العمل أو البلاد.

في كوريا الجنوبية واليابان، وهما مجتمعان صناعيان، يحتل ما يمكن أن يطلق عليه "عبادة العمل" الأولوية على أي شيء آخر. والجميع هناك يتآلف مع فكرة "استئجار أسرة"، إذ نادرا ما يفكّر أفراد المجتمعات الاستهلاكية في تكوين أسرة كبيرة أو صغيرة.

فعندما يضطر أحدهم إلى الظهور داخل أسرة في حفلات الزفاف أو غيرها من المناسبات السعيدة أو الحزينة، يمكن أن يستأجر أسرة يحدد عددها ونوع أشخاصها وهوياتهم لحضور تلك المناسبة، وبعد الانتهاء، يذهب كل فرد منهم في طريقه.

ملائكية

يبدأ الفيلم مشاهده الأولى بتجوّل صامت لسيدة تحمل طفلا وسط شوارع مظلمة. وجه الطفل النائم يصبح أول وجه يشاهده الجمهور على الكاميرا، لا يعلم مصيره تماما كالمشاهد. تؤسس تلك اللقطة البصرية التعاطف مع القصة والأحداث، انطلاقا من هذا الوجه البريء من كل الشرور التي لا تخصّه على الإطلاق، على الرغم من تأثيرها الكبير عليه.

يقوم أحد المتطوعين في الكنيسة، ويدعى سانغ هيون، الذي يؤدي دوره سونغ كانغ، والذي شارك في فيلم "الطفيلي" الفائز بجائزة "أوسكار" العام الماضي، وصديقه دونغ سون (الذي يؤدي دوره الممثل جانغ دونغ وون)؛ بسرقة الطفل وبيعه للعائلات الراغبة بالتبني بهدف جني الأرباح. إنها وظيفتهم الأساسية التي تُظهر إلى أي مدى هناك أعمال قائمة بذاتها على الأطفال الذين يتخلى عنهم آباؤهم.

تتسارع الأحداث عندما تنضم سو يانغ (لي جي يون) إلى الرجلين لتبحث عن ابنها المفقود، أو للدقة ابنها الذي تنازلت عنه طواعية ثم أحسّت بالخزي من ذلك. تحاول التعرف إلى العائلة التي تحاول تبنّيه، وتلاحقهم الشرطة بهدف القبض عليهم. ويحاول كور إيدا، من خلال فيلمه، إثبات وجود الإنسانية حتى في قلوب وسطاء الاتجار بالبشر تجاه الأسرة.

هذا الصراع الذي يملأ الفيلم يكون الرضيع هو بطله المحرّك من دون أن يدري، عصابة تحاول بيعه وأم تحاول استرجاعه أو بيعه بسعر أعلى مما تريد العصابة، وشرطة تراقب وتنتظر للقبض على العصابة متلبّسة بجريمتها.

تكرار النغمة ذاتها

في أفلام كور إيدا السابقة مثل "سارق المتاجر" و"اذهب إلى البيت" و"أختنا الصغيرة"، كانت العائلة محور الأحداث ومحرّكها. هذا النوع من الأفلام يمثل بصمة شخصية للمخرج، إنه هوسه المستمر بتأثير الأسرة الذي ربما جاء من واقع ينعدم تقريبا اهتمامه بها.

وهذه المرة يعالجها كور إيدا من جهة معاكسة، فماذا لو كانت الأسرة ذاتها سببا أساسيا في الفردية نتيجة الخوف من المستقبل؟ للإجابة عن ذلك، يتناول الفيلم برقّة شديدة حياة كل فرد في إطار سعيه إلى تحقيق هدفه المادي البحت، ليجد الجميع أنفسهم "أسرى" هواجس أسرة تبحث عن السعادة الممكنة في الحياة.

وهكذا يقدم المخرج عملا مميزا، من أداء تمثيلي متقن، وموسيقى ذات إيقاع نادر يتناغم مع السؤال الفلسفي المرهق: كيف يمكن لإنسان أن يعيش من دون عائلة؟

حركة الكاميرا الهادئة والإيقاع البطيء للفيلم يزيدان من حدة التساؤل على المشاهد. الجميع يجري بلا هدف واضح، بينما الكاميرا تراقب وتكشف للمشاهد أنه لا يوجد حل أكثر رضاء من التشبث بالحب/العائلة مهما كانت ضريبة ذلك.

"السمسار" فيلم يؤكد المخرج من خلاله مرة أخرى مدى سعادة الإنسان داخل عائلة، وبالتأكيد مدى تعاسته من دونها.

المصدر : الجزيرة