المخرج أمين ناسور: المسرح المغربي رائد على المستوى العربي

هناك تطور في المسرح المغربي، وتوجد تجارب شابة تحاول أن تقدم تصورات فنية جديدة وأفكار جديدة تعبر عن زمانها وعن "انتظاراتها"، لكن هناك تأخر كبير على المستوى التنظيمي؛ خصوصا فيما يتعلق بمسألة الفصل بين الهواية والاحتراف.

المخرج المسرحي أمين ناسور خلال تتويج مسرحيته في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي - مواقع التواصل
المخرج المسرحي أمين ناسور: لا يمكن بذريعة الأوضاع السياسية أو الاجتماعية الإجهاز على فن يعتبر أحد الأوجه الحضارية للمجتمعات (مواقع التواصل)

الرباط- تُوّجت مسرحية "شا طا را" لفرقة "تيمسفوين" المغربية بنصف جوائز الدورة الأخيرة لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي رغم أنها المشاركة الأولى لفرقة مغربية ضمن المسابقة الرسمية.

واعتبر مخرج المسرحية أمين ناسور هذا التتويج إنجازا تاريخيا يحسب للفرقة وأيضا للمسرح المغربي الذي أصبح يحتل مكانة مهمة في خريطة المسرح العربي.

ويقول ناسور -في حوار مع الجزيرة نت- إن الجميع في المهرجانات العربية ينتظر ما ستقدمه التجربة المغربية، وهذا راجع في نظره إلى تنوع التصورات الفنية في هذه التجربة، وهو ما خلق فسيفساء مسرحية قلّ نظيرها في العالم العربي.

ويؤكد المخرج المغربي أن المسرح العربي حاول أن يجعل الناس ترى وجوهها في المرآة فيما يتعلق بالسنوات الأخيرة ويسأل: هل ما عشناه مؤخرا من ثورات ومن تحولات هي فعلا ما كان يحتاجه المجتمع العربي أم كنا نحتاج أشياء أخرى؟

المخرج المسرحي أمين ناسور خلال تتويج مسرحيته في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي - مواقع التواصل
المخرج المسرحي أمين ناسور يتسلم 3 جوائز في مهرجان القاهرة (مواقع التواصل)

وقد بدأ أمين ناسور رحلته المسرحية مع دُور الشباب ومسرح الجامعة، ثم انتقل إلى عالم الاحتراف، ولكن هل هذه الفضاءات تكوّن وتصقل المواهب الفنية في المجال المسرحي؟

يقول أمين ناسور للجزيرة نت، كانت دُور الشباب ونوادي المسرح في الجامعات وما زالت مصدرا حقيقيا للمواهب في الساحة الفنية؛ خاصة المسرحية، لكنها بدأت تتراجع في السنوات الأخيرة، وسبب ذلك خلقُ تصورات جديدة لعمل دُور الشباب وللغزو التكنولوجي لمجتمعاتنا.

وأضاف "أرى أنه ينبغي أن تهتم الجامعات أكثر بالنوادي الفنية وتعطيها المساحة المطلوبة للاشتغال كما كانت في الماضي، ونحتاج أيضا إلى إستراتيجية حقيقية من طرف الإدارات المشرفة على دور الشباب والجامعات. في المقابل، علينا كفنانين ألا ننسى الفضاءات الأولى التي احتضنت مواهبنا، وأن نعود إليها لمساعدة وإعداد الأجيال الجديدة.

وتاليا حوار أجرته الجزيرة نت مع المخرج ناسور:

إعلان
  • عملتَ مع فرقة "مسرح الناس" لرائد المسرح المغربي الراحل الطيب الصديقي، ماذا أضافت لك هذه التجربة؟

شاهدني الطيب الصدّيقي في مسرحية بالجامعة، وبعد العرض اختارني لألتحق بفرقة "مسرح الناس". كان حينها قد بدأ مشروعا لإعادة تشخيص مسرحياته، فاشتغلنا على مسرحية "الحراز"، ثم "ليلة هدم المسرح"، و"الكرة السحرية". وأثرت هذه الخبرات كثيرا في تجربتي الشخصية سواء على مستوى التمثيل أو الإخراج. كان الصديقي يتميز باشتغاله على التراث والهوية المغربية بسمات كونية، وهذه مسألة ألهمتني كثيرا وظهرت بعد ذلك في تصوراتي الإخراجية، وهو من أرسى قواعد المسرح الاحترافي الحقيقي في المغرب، وهو من عرّف بالمسرح المغربي عربيا ودوليا. وكانت تجربته غنية ورائدة استفدنا منها كثيرا، كونها لبنة أساسية في تطور المسرح المغربي بعد ذلك إضافة إلى تجربة مسرح الهواة.

  • توّجت مسرحيتك الأخيرة "شا طا را" بـ3 جوائز في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي منها الجائزة الكبرى للمهرجان وجائزة أفضل إخراج، ماذا يعني ذلك؟

بلغ المهرجان هذا العام دورته الـ 29، ورغم صيته العربي والعالمي إلا أن المسرح المغربي لم يمثل في أي من دوراته ضمن المسابقة الرسمية. في هذه الدورة شارك المغرب لأول مرة في المسابقة الرسمية، وتوّج بـ3 جوائز من أصل 6 وهذا إنجاز تاريخي لا يحسب للفرقة فقط وإنما للمسرح المغربي.

  • اعتمدت في عرضك المسرحي "شا طا را" على وسائط رقمية متنوعة، فكيف ترى الإضافة التي يمكن أن تضيفها الوسائط المتعددة في صناعة الفرجة المسرحية، علما أن العنصر الرقمي ما زال طارئا على العروض المسرحية في المغرب؟

بالنسبة لي الوسائط الرقمية تُدخل المسرح إلى حقبته الزمنية، أي إلى عصر التكنولوجيا. وهذه الأخيرة تهيمن على حياتنا ولا يمكن للمسرح أن يظل بمعزل عنها، وبالتالي فالاستعانة بها هو تحصيل حاصل.

ويمكن لهذه الوسائط أن تساهم في تجويد العروض المسرحية، وتقديمها في مستوى تقني جاذب للجمهور الحالي وأن تضفي عمقا على الأفكار والتصورات الفنية إذا استخدمت جيدا، لكن يبقى جوهر المسرح هو الكلاسيكيات الأساسية أي الممثل والنص والسينوغرافيا وتقنيات الخشبة، وفق تصور إخراجي ملهم وخلاق.

  • ما موقع المسرح المغربي في خريطة المسرح بالعالم العربي؟

يشغل المسرح المغربي حاليا مكانة مهمة جدا في خريطة المسرح بالعالم العربي. الكل في المهرجانات العربية ينتظر ما ستقدمه التجربة المغربية وهذا راجع بالأساس إلى تنوع التصورات الفنية فيها، فلكل مخرج أسلوبه الفني الذي يعتمده. هذا التنوع خلق فسيفساء مسرحية مغربية قل نظيرها في العالم العربي.

إعلان

واستلهم المسرح المغربي من كل الثقافات التي تقاطع معها، وهذا ما نجده في العروض المسرحية، بخلاف تجارب أخرى حيث تسود ثقافة معينة ويتم الاعتماد على أسلوب متشابه.

إذا نظرنا مثلا إلى التتويجات المغربية في مختلف الفعاليات العربية الكبرى في السنوات الأخيرة؛ سنستنتج أن التجربة المغربية اليوم هي تجربة رائدة على المستوى العربي.

  • كيف تقيّم واقع المسرح المغربي؟

هناك تطور وتنوع في المسرح المغربي وتوجد تجارب شابة تحاول أن تقول كلمتها في الساحة المسرحية وأن تقدم تصورات فنية جديدة وأفكار جديدة تعبر عن زمانها ومستقبلها.

في المقابل، هناك تأخر كبير على المستوى التنظيمي خصوصا فيما يتعلق بمسألة الفصل بين الهواية والاحتراف. وعندما نتكلم عن الهواية والاحتراف فليس من منظور الممارسة المسرحية ولكن من المنظور المهني.

ويوجد لبس في هذه المسألة وأظن أن الفيصل فيها هو تطبيق نصوص قانون الفنان حينها سنشهد ممارسة احترافية معا ونميز بين الهاوي والمحترف.

وإذا أردنا الاستثمار في الحقل المسرحي -خاصة ونحن نتكلم على المستوى العالمي عن الصناعات الثقافية- يجب أن ننظم الحقل الفني بصفة عامة حتى نقدم ممارسة مسرحية قادرة أن تدر الدخل على ممتهنيها وأن تساهم في عجلة الاقتصاد الوطني.

  • هل وجد المسرح التجريبي مكانا له في المغرب إلى جانب باقي الأنماط المسرحية؟

المسرح في نظري كله تجريب، وما دام فريق العمل يدخل إلى مختبر فني ويشتغل على أفكار مسرحية جديدة بأساليب فنية جديدة ويوظف تقنيات جديدة فهو يجرب أشكال فنية سيقدمها إلى الجمهور لأول مرة.

  • بعد الأزمة الخانقة التي شهدها المسرح المغربي في ظل جائحة كورونا أطلقت وزارة الثقافة مشروع "المسرح يتحرك". ما رأيك في هذه المبادرة؟

جاء مشروع "المسرح يتحرك" بعد أن اقترحت على زميلاتي وزملائي المسرحيين والمسرحيات شكلا نضاليا جديدا وغير مسبوق، وهو إطلاق صرخة "أنقذوا المسرح المغربي من السكتة القلبية"، وذلك على شكل فيديوهات موجهة إلى وزير الشباب والثقافة والتواصل "المهدي بن سعيد" مباشرة بعد تعيينه في منصبه. واستجاب الوزير مشكورا في وقت وجيز جدا، حيث أعطى انطلاقة مشروع "المسرح يتحرك".

إعلان

ويتضمن المشروع تسجيل 60 عملا مسرحيا واقتناء حقوق بثها عبر القنوات التلفزيونية المغربية وانتقاء 3 منها للفوز بجوائز نقدية مهمة.

لا يمكنني إلا أن أثمن هذه المبادرة كما ثمّنها العديد من المسرحيين المغاربة لأنها ستعرف المشاهد المغربي على أعمال مسرحية مختلفة وهي أيضا بادرة ستشجع الفرق المسرحية على الاجتهاد أكثر وتقديم أجود العروض والاشتغال عليها بطريقة أكثر احترافية.

المشروع في بدايته، ورغم بعض النواقص والملاحظات التي أظن أن القطاع الوصي وقف عليها، إلا أن الساحة المسرحية نالت مكسبا مهما يضاف إلى مجموعة من المكاسب الأخرى.

Cairo International Festival for Experimental Theatre المخرج المسرحي أمين ناسور المصدر: الصحافة المغربية
المخرج أمين ناسور وفرقته المسرحية مع وزير الثقافة المغربي (وسط) بعد التتويج (الصحافة المغربية)
  • شهد العالم العربي تحولات جذرية في السنوات الأخيرة، ما موقع المسرح العربي وسط هذه التحولات وما مدى تفاعله معها؟

على المستوى الإبداعي، التقطت كل التجارب المسرحية في هذه الحقبة الزمنية التحولات التي عرفها العالم العربي. عندما كنا نلتقي في المهرجانات العربية، كانت العروض مثل المرآة العاكسة لما يقع في مجتمعاتها وما يعتصرها من صراعات وأفكار وسياسات. وتراجع الاهتمام بالمسرح في بعض البلدان العربية، مما جعل المسرحيين العرب يدقون ناقوس الخطر في حواراتهم وفي ملتقياتهم.

في نظري، لا يمكن بذريعة الأوضاع السياسية أو الاجتماعية الإجهاز على فن يعتبر أحد الأوجه الحضارية للمجتمعات.

عاش المسرحيون العرب في السنوات الأخيرة ظروفا قاسية، خصوصا أولئك الذين كانت لهم مواقف سياسية معينة في بلدانهم، مما أثر على ممارساتهم وجعل البعض يهاجر نحو بلدان أخرى سواء عربية أو أجنبية. وحاول المسرح مساءلة التجربة السياسية والاجتماعية العربية في هذه الحقبة، وحاول أيضا تسليط الضوء على المسكوت عنه في بعض الجوانب.

وحاول أيضا أن يجعل الناس ترى وجوهها في المرآة: هل فعلا ما عشناه مؤخرا من ثورات ومن تحولات هي فعلا ما كان يحتاجه المجتمع العربي أم كنا نحتاج أشياء أخرى؟ هي أسئلة مفتوحة طرحها المسرح العربي وأظن أن إجابتها لن تكون عند المسرحيين بطبيعة الحال ولكن عند المجتمعات التي ينتمون إليها.

إعلان
المصدر : الجزيرة

إعلان