فيلم هاتف السيد هاريغان.. لماذا لا تنجح الأفلام المقتبسة عن ستيفن كينغ؟

بدأ عرض فيلم "هاتف السيد هاريغان" (Mr. Harrigan’s Phone) على نتفليكس منذ الخامس من شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وهو مقتبس من رواية قصيرة/نوفيلا للكاتب الأميركي ستيفن كينغ، ومن بطولة كل من دونالد ساذرلاند وجيدن مارتيل.
يشتهر ستيفن كينغ بكثرة أعماله بشكل عام، فعلى مدار سنوات مسيرته المهنية التي بدأت منذ ستينيات القرن الماضي حتى اليوم ينشر على الأقل رواية كل سنة، وشهدت أعماله اقتباس نسبة كبيرة منها في أفلام ومسلسلات تلفزيونية، لكن على الرغم من اعتباره "ملك" أدب الرعب في العصر الحديث فإن هذا النجاح الأدبي لم يقابله نجاح سينمائي مماثل، فجاءت أغلب هذه الأعمال متواضعة في كثير من الأحيان، فما السبب وراء هذا التناقض الغريب؟
هاتف السيد هاريغان وهجاء في عصر الإنترنت
تدور أحداث فيلم "هاتف السيد هاريغان" في إحدى المدن الصغيرة بولاية "مين" محل إقامة الكاتب ستيفن كينغ نفسه، وفيها يتعرف الطفل "كريغ" على الملياردير "هاريغان" الذي يطلب منه قراءة الأدب له بمقابل مادي لضعف بصره مع تقدمه في العمر، وعلى مرّ السنوات التالية يتقابلان 3 مرات أسبوعيًّا، وتنمو بينهما علاقة من الود تعوّض الصغير عن وفاة والدته، وحزن والده الشديد عليها الذي جعله شبه غائب عن العالم، وفي الوقت ذاته تضفي بعض العاطفة على حياة العجوز الخالية من أي تواصل بشري سوى مع اثنين من خدمه.
يدخل "كريغ" بعد سنوات المدرسة الثانوية مع بداية عصر الإنترنت والهواتف المحمولة، فيهديه والده هاتفًا خاصًّا به، وفي الوقت ذاته يكسب في "اليانصيب" مالًا يتيح له شراء هاتف مماثل لصديقه العجوز الذي بعد رفض مبدئي يكتشف الإمكانات الباهرة لهذا الجهاز الصغير، لكنه يتنبأ بالنتائج الوبيلة له سواء من حيث انتشار الأخبار الزائفة، أو تأثيره على العلاقات الشخصية.
تنتهي علاقة الشاب بصديقه باكتشافه جثة العجوز وقد كان آخر ما قام به محاولة مهاتفة كريغ؛ ربما لينقذه من الأزمة القلبية التي أصابته فجأة. لكن القصة لا تنتهي هنا، بل تبدأ بالفعل، بكثير من الأحداث المخيفة التي تجعل البطل الشاب يكتشف أن هاريغان يحاول مساعدته رغم أنه قابع في قبره، ربما أكثر مما فعل طوال حياته كلها.
مأساة ستيفن كينغ على الشاشة
مع كثرة الأفلام المقتبسة عن روايات ستيفن كينغ لا يعلق بالذاكرة سوى عدد قليل منها، مثل "الميل الأخضر" (The Green Mile) و"ميزري" (Misery) و"الخلاص من شاوشانك" ( The Shawshank Redemption) و"البريق" (The Shining) التي تجمع بينها نقطة واحدة؛ إنها لا تشبه أدب كينغ الاعتيادي المغرق في الرعب، بل هي أقرب إلى روايات تضع أبطالها في مواقف مخيفة وتحت ضغط غير طبيعي، ليس أكثر.
لخص ستيفن كينغ أزمة أفلامه وأفلام الرعب عامة في كتابه غير الروائي بعنوان "دانس ماكبارا" (Danse macabre)، بمقارنته بين أفلام الرعب ومسلسلات الراديو التي تتناول الموضوع نفسه، وهو الإفصاح الزائد عن الحاجة في الوسيط المرئي، الذي يقتل الرعب لأنه لا يوازي قدرة الخيال البشري على تصور الأحداث المخيفة.
النقطة الثانية هي ضعف المؤثرات البصرية التي لا تتوازى بالتأكيد مع قدرة الكاتب على الوصف، وذلك يجعل المشاهد الموصوفة بدقة على صفحات رواياته رديئة الشكل، وركيكة أيضا على الشاشة.
النقطة الثالثة هي أن مخرجي الأفلام والمسلسلات قلّما يستطيعون فهم الفكرة الأساسية التي تدور حولها روايات ستيفن كينغ أو روايات الرعب بشكل عام، والتي لا تتمحور حول إخافة القارئ بل كثيرًا ما تكون وعاء لأفكار أكثر جدّية.
وهذا الفهم هو ما يفرق بين الأفلام الجيدة التي تحدثنا عنها هنا، والسيئة منها. فعلى سبيل المثال، فإن فيلم "الميل الأخضر" ليس مجرد فيلم عن رجل يمتلك قدرة خارقة، بل عن روح شفافة لا تستطيع تحمل العالم البشري الملوث بشدة، بينما "ميزري" يحكي عن هوس بعض القراء بحياة كتّابهم المفضلين والشخصيات الروائية، الأمر الذي يعاني منه ستيفن كينغ نفسه، أما "البريق" فليس عن القدرات غير الطبيعية للطفل داني بل عن حياته بين أبوين يحاولان الفرار من صورة الأسرة البشعة التي عاشا خلالها طفولتهما الخاصة، فلا يكرران أخطاءهما مع ابنهما، لكنهما في النهاية يرتكبان أخطاء جديدة، ويتضمن أيضا مخاوف ستيفن كينغ تجاه أبوته.
أما فيلم "هاتف السيد هاريغان" فقدم العكس لكنه لم يفلح أيضًا، فيمكن تقسيم القصة الأصلية إلى طبقتين متوازيتين: الأولى هي رحلة "بلوغ" (Coming Of Age) يخوضها المراهق كريغ الذي يتحتم عليه النضوج في عالم تعرف فيه على الموت مبكرًا جدا، أما الطبقة الثانية فهي القصة المرعبة التي يضطر فيها إلى التعامل مع حماية صديقه السيد "هاريغان" من وراء القبر، وذلك يروّعه بقدر ما يبدو مفتونا بهذه الصداقة التي لا ينهيها الموت، مع خط ثالث جانبي هو تعامل العالم مع الهواتف المحمولة التي غيّرت من طريقة التواصل البشري وتلقّي المعلومات، وقسمت العالم إلى ما قبلها وما بعدها.
ركز الفيلم بشكل أساسي على قصة البلوغ، ولم يبرز الجانب المرعب للقصة، فافتقد الفيلم أهم ميزات نوعه السينمائي بوصفه فيلم "إثارة" و"رعب"، فاستحق الانضمام إلى الأفلام "المحبطة" المقتبسة من روايات ستيفن كينغ، فلم يلمس أوتار الرعب فيها، ولم يبرز واحدا من هموم الكاتب حول تأثير الحداثة على العالم، واستحق معدل 43% على موقع "الطماطم الفاسدة/ روتن توماتوز" ( Rotten Tomatoes).