لماذا تصل الأفلام المصرية القصيرة فقط إلى العالمية؟

سيف الدين حميدة بطل فيلم "ستاشر" الفائز بجائزة السعفة الذهبية بمهرجان كان (مواقع التواصل الاجتماعي)

وضع فيلم "صديقتي" (My Girlfriend) للمخرجة الشابة "كوثر يونس" علامة استفهام كبيرة حول مصير السينما المصرية، إذ كان الفيلم المصري الوحيد الذي يشارك خلال فعاليات مهرجان فينيسيا السينمائي ضمن عروض الأفلام القصيرة ليعطي ذلك دلالات واضحة على مستوى تمثيل السينما المصرية بالمهرجانات العالمية، إذ لم يعد يخرج منها للنور سوى الأفلام القصيرة أو المستقلة، وهي تجارب قليلة جدا.

لماذا الفيلم القصير؟

فيلم "صديقتي" فيلم قصير من 17 دقيقة، وهو ليس الفيلم القصير المصري الأول الذي يستطيع الوصول إلى المهرجانات العالمية، ففيلم "ستاشر" لسامح علاء هو الفيلم المصري الوحيد الفائز بجائزة السعفة الذهبية، واستطاع المخرج مراد مصطفى بفلمي "حنة ورد" و"خديجة" تمثيل بلاده أيضا في عدة محافل.

ويطرح ذلك سؤالا مهما، لماذا تستطيع الأفلام القصيرة تحقيق هذا الوصول بينما تتعثر في ذلك الأفلام الطويلة؟

للإجابة على هذا السؤال يجب النظر للأفلام القصيرة عن قرب أكثر، فهي أعمال تميل بطبيعتها إلى التكثيف، سواء في الزمان أو المكان أو الشخصيات ولا تستدعي استخدام ممثلين مشهورين ذوي أجور عالية، بل مواهب صاعدة يُطلب منها الحرفة الفنية قبل أي عامل آخر.

إعلان

والأفلام الروائية القصيرة كذلك خارج السوق التجارية للسينما، وأغلبها تمول عن طريق المهرجانات السينمائية التي تصل إليها مشاريع الأعمال في مراحلها الأولى، والأفضل منها يحصل على مبالغ مالية تستخدم في الإنتاج، وهذا يعني أن تلك الأفلام تحصل على تمويلها مقابل عوامل الجدارة وليس شهرة أبطالها أو مخرجيها.

وعلى العكس، نجد الأفلام الروائية الطويلة التي تخضع لمعايير السوق والعرض السينمائي لها متطلباتها الخاصة، سواء في طبيعة القصص نفسها أو اختيار الممثلين ومواقع التصوير والميزانيات، وكلها قيود على العمل نفسه.

وهذا يخالف الحرية التي تحصل عليها الأفلام الروائية القصيرة ببساطة، لأنها بالأساس غير معدة للعرض في صالات العرض للجمهور العام بشكل واسع وهذا العرض بالطبع مطمح لأي صانع فيلم بوصول عمله إلى أكبر قدر ممكن من المتفرجين، لكن تلك طبيعة الوسيط بالفعل التي يصعب تغييرها سواء في العالم العربي أو الغربي.

حلقة مفقودة

وأغلب المخرجين العالمين الكبار بدؤوا مشوارهم الفني بالأفلام القصيرة، سواء كانت مشاريع تخرج من دراسات سينمائية أو حتى أعمالا جمعوا ميزانيتها من مدخراتهم وعائلاتهم وأصدقائهم وتصور بأبسط الإمكانيات، ولكن هذه الأعمال التي حظيت بعرض محدود كانت الأساس التي بنوا عليها لغتهم السينمائية ونجاحاتهم المستقبلية، نتحدث هنا عن قامات أمثال ستانلي كوبريك ومارتن سكورسيزي وكوينتن تارانتينو.

لكن الوضع يختلف في السينما العربية خاصة في السنوات القليلة الماضية، فأصبح هناك فصل واضح بين صناع الأفلام القصيرة والأفلام الطويلة. فالمجموعة الأولى تكدح لتقديم سينما تحلم بها مشاريع شديدة الخصوصية والفنية، بينما الفئة الثانية تهرع وراء التجارية وكسب المال والأسماء اللامعة.

ولم يعد صناع الأفلام القصيرة الناجحة الذين تُعرض أعمالهم في أهم المحافل الدولية يحصلون على فرص لصنع أفلام طويلة، فعلى سبيل المثال سامح علاء رغم فوزه بالسعفة منذ عام 2020 ليس له أي أفلام طويلة حتى الآن، وكذلك مراد مصطفى ما زال يعمل في المجال الضيق للأفلام القصيرة، ولم يحصل أي منهما على الفرصة الإنتاجية التي تتيح له تقديم فيلم روائي يظهر رؤيته الفنية كاملة.

إعلان

 

وبالتالي، لا يحصل هؤلاء المخرجون الواعدون بالفعل على الفرص اللازمة لإثراء سينما بلادهم أو ذوق المشاهدين، ويعيشون في عالم مواز ويصنعون أفلاما يشاهدها جمهور محدود في المهرجانات السينمائية المحلية وفي عروض خاصة بدور العرض الفنية مثل "سينما زاوية" في القاهرة، كما يسعون لصنع فيلم آخر قصير بالوسيلة ذاتها، وقد يساعدهم الحظ ويحصلون على فرصة صنع فيلم واحد طويل لا يشاهده جمهور بلادهم أيضا مثل تجارب "ريش" و"يوم الدين" وغيرها من الأفلام الفنية المغلقة على ذاتها وتخاطب عددا محدودا من المشاهدين.

المعضلة والحل

الأفلام القصيرة ليست محطة أولية للمخرجين يتعلمون منها فهي فن بحد ذاته، لكنها أيضا يجب أن تكون منبعا يخرج منه المواهب الجديدة التي تتطور وتُطور بعد ذلك السينما، لكن هذه الحرية الكبيرة في الصناعة التي تسمح بأن تكون التجارب رائدة بالفعل، تجعل صانع العمل يصطدم بعد ذلك بقواعد السينما التجارية.

بينما الأخيرة تهوى بالفعل نتيجة لتخبطها بحثا عن المكاسب دون اهتمام بجذب مبدعين أصحاب رؤى خاصة، فتخرج أعمال مشوهة لا تستطيع جذب سوى جمهور الأعياد الذين لا يفرقون بين الطالح والصالح، فقط يرغبون في بعض المحتوى الذي يعتبر جزءا من الاحتفال وليس عملا فنيا.

يظهر ذلك واضحا في قلة الأفلام المعروضة خارج المواسم المهمة مثل عيدي الأضحى والفطر وإجازة نصف العام، بينما تستحوذ الأفلام الأجنبية على باقي العام، لأن الموزعين والمنتجين يعلمون أن تلك الأفلام المحلية محدودة ولا تمتلك القدرة على المنافسة.

ولن تنتهي هذه المعضلة إلا عندما تصبح الفرص متاحة للجميع لصنع أفلامه والبقاء للأفضل، لكن في ظل استحواذ جهة إنتاجية واحدة أو اثنتين على صناعة السينما واختيار عدد محدود من المخرجين فقط بشكل متكرر لن يؤدي إلا إلى دفن المواهب وقتل أي أمل للسينما.

إعلان
المصدر : مواقع إلكترونية

إعلان