"لا تنظر للأعلى".. سحر النجوم الذي انقلب على الساحر
في فيلم "لا تنظر للأعلى" نجد أن عيوب أفلام المخرج آدم مكاي السابقة تضخمت أكثر.

بدأت "نتفليكس" (Netflix) بعرض الفيلم المنتظر "لا تنظر للأعلى" (Don’t Look Up) الذي جذب الانتباه بشدة منذ طرح الملصق الدعائي الخاص به، الذي تميز بحشد من الممثلين شديدي النجومية مثل ليوناردو دي كابريو وجينفر لورانس وميريل ستريب ومارك ريلانس وأسماء أخرى، فيلم يشارك فيه عدد كبير من الفائزين بجوائز الأوسكار لكن هل هذا كاف لتحقيق النجاح؟
في الحقيقة، الأمر الوحيد الذي نجح فيه فيلم "لا تنظر للأعلى" بشدة هو إثارته للجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، بين المنبهرين بفكرة الفيلم الأساسية، والحانقين على إهدار النجوم في فيلم ممل لم يثر إعجابهم.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsقصة ممكنة الحدوث
على الملصق الدعاء للفيلم تظهر عبارة "مبني على أحداث ممكنة الحدوث"، وهو تحريف للجملة الشهيرة "مبني على أحداث حقيقية"، ويمكن اعتبار هذه العبارة مفتاح قراءة العمل؛ فآدم مكاي مخرج الفيلم وكاتبه، قدم في عمله تداعيات ممكنة الحدوث لكارثة طبيعية ممكنة الحدوث كذلك، كما لو أنه يأخذ المشاهد إلى المستقبل متنبئًا بردود أفعال العالم.
تدور أحداث الفيلم في زمن قريب من الآن، قد يكون المستقبل قد يكون الحاضر فذلك ليس أمرًا مهمًا، إذ تكتشف كيت (جينفر لورانس) طالبة الدكتوراه نيزكا عملاقا، لكن ببعض الحسابات تجد هي والدكتور ميندي (ليوناردو دي كابريو) أن هذا النيزك سيصيب الأرض بعد نحو 7 أشهر، لينهي الحياة البشرية والحيوانية على كوكبنا الأزرق، فيبلغان الجهات الرسمية في سلسلة من الاتصالات تصل إلى رئيسة الولايات المتحدة (ميريل ستريب)، ومن هنا يصبحان طرفًا في مجموعة من الألاعيب السياسية والإعلامية في التعامل مع هذا التهديد الذي تواجهه الأرض.
يمتلئ فيلم "لا تنظر للأعلى" بالمجازات، فالنيزك وتعامل البشر معه استعارة واضحة للتغيرات المناخية وتأثيرها في الكوكب، التي تمثل تهديدًا واضحًا للحياة البشرية على الأرض.
وفي اتفاق غير مكتوب، نجد أن كل الكيانات المعنية قررت بالفعل تجاهل هذه الأزمة المتفاقمة، في حين لدينا العديد من الشخصيات الفيلمية التي تتشابه مع أخرى حقيقية، مثل الرئيسة أورلين التي تبدو إشارة واضحة للرئيس السابق دونالد ترامب وغيره من السياسيين الأميركيين الذين لا يهتمون بأي شيء سوى فوزهم وخسارتهم الانتخابات، بينما لدينا مثال لجيف بيزوس أو إيلون ماسك قدمه مارك ريلانس صاحب شركة الهواتف المحمولة الذي لا يهتم بسوى تغذية التكنولوجيا الخاصة به بأي شيء، حتى لو على حساب المستهلكين أنفسهم.
أزمة مجازات فيلم "لا تنظر للأعلى" هي وضوحها الشديد؛ فافتقدت الشاعرية المطلوبة وكذلك الذكاء، كما لو أن المخرج يخشى عدم قدرة المشاهدين على قراءة استعارات أكثر غموضًا، فيفترض فيهم الغباء، لذلك قرر توضيح كل شيء بشكل شديد السطحية، وتحول الفيلم من عمل سينمائي إلى شريط دعائي يمتد لساعتين ونصف الساعة للتوعية ضد مخاطر التغيرات المناخية وتجاهل البشر لها، كذلك افتقد الفيلم خفة الظل التي يجب أن تظلل هذا النوع من الأفلام الساخرة من الواقع.
آدم مكاي والتذاكي على الجمهور
قدم المخرج والكاتب آدم مكاي فيلمين سابقين، متبعا فيهما النمط ذاته الساخر من السياسة الأميركية وهما "ذا بيغ شورت" (The Big Short) و"نائب الرئيس" (Vice)، وهي أفلام تقدم قضايا تبدو كبيرة وصعبة، يتم تلخيصها في كبسولات لمدة ساعتين للمشاهدين لتشعرهم بالذكاء والقدرة على فهم هذه الصعوبات الاقتصادية أو السياسية، لكن بدون عمق حقيقي، بل في سيناريو مليء بالمجازات والكلمات السريعة والمصطلحات التقنية، ويتم وضع كل ذلك في إطار زاهٍ من أشهر نجوم هوليوود، مثل كريستيان بايل وبراد بيت وريان جوسلينج، والآن ليوناردو دي كابريو وميريل ستريب وكيت بلانشيت.
في "لا تنظر للأعلى" نجد أن العيوب السابقة في أفلام مكاي تضخمت أكثر، بغياب حتى المواضيع المعقدة التي تحتاج إلى تفسير، فهنا كل شيء مفسر وواضح للغاية، فحتى شخصيات الفيلم لا تحمل عمق حقيقي بل أقرب إلى الكاريكاتير المنمط.
ويمكن قبول ذلك في شخصية الرئيسة الأميركية أو رجل الأعمال باش، لكن ذلك غير مفسر بالنسبة للشخصيتين الرئيستين كيت والدكتور ميندي، فالأولى ليست سوى امرأة عصابية لا يمكن أن تعبر عن قوة شخصيتها سوى بلون شعرها الزاهي وقصته الجريئة والأقراط في أنفها، بينما الدكتور ميندي ليس سوى أستاذ جامعي مصاب بالعصاب والقلق العصبي، لكن ما أن يكتشف أن عيون العالم مسلطة عليه كبطل جديد للمرحلة حتى يتعافى من كل أعراضه النفسية، ويكتسب ثقة في النفس سحرية، ثم يعود بعد ذلك إلى صورة الرجل الأميركي الذكي المحب لعائلته.
It is critical that we take action to address the climate crisis. @DontLookUpFilm has partnered with @CountUsInSOCIAL to outline ways to get involved.
Learn more: https://t.co/7Rx6qOEsDA#DontLookUp now on @Netflix pic.twitter.com/80y93UcOJz— Leonardo DiCaprio (@LeoDiCaprio) December 24, 2021
في الحقيقة، إن موافقة ليوناردو دي كابريو على تقديم هذا الفيلم كان السبب وراءها اهتمامه الشخصي بقضية التغيرات المناخية، التي يكرس لها وقته وتبرعاته المادية ودعمه منذ سنوات، ولكن يبدو الأمر مبالغًا فيه عندما يخصص فيلما كاملا لمدة ساعتين ونصف الساعة فقط لدعم قضيته.
حقق فيلم "لا تنظر للأعلى" معدلا متواضعا للغاية على موقع "روتن توميتوز" (Rotten Tomatoes)؛ إذ بلغ حتى الآن 55%، مثيرًا الكثير من الجدل، وسؤالًا ضروريًا، وهو هل تغفر قضايا الأفلام النبيلة تواضعها الفني في بعض الأحيان؟