في ذكرى وفاته.. فائق حسن أب الفن التشكيلي العراقي الذي برع في تجسيد الحياة اليومية

فائق حسن كان يعدّ الرسام الأول في العراق بمنحاه الأكاديمي لكونه أكثر الرسامين واقعية (مواقع التواصل)

بغداد- تحل اليوم الثلاثاء، 11 يناير/كانون الثاني، ذكرى وفاة الفنان التشكيلي العراقي فائق حسن، الذي درس في أوروبا وأنشأ -رفقة زميله جواد سليم- فرع الرسم بمعهد الفنون الجميلة في بغداد، وهو أكثر الرسامين واقعية، حيث ارتبط بالواقع والبيئة.

ولد فائق حسن في محلة البقعة ببغداد عام 1914، وتوفي يوم 11 يناير/كانون الثاني 1992. تخرج من مدرسة الفنون الجميلة في فرنسا، وأسس فرع الرسم في معهد الفنون الجميلة عام (1939-1940) مع جواد سليم، كما أسس جماعة الرواد، وساهم في تأسيس جماعة الزاوية.

رسوم فائق حسن التصقت بالواقع والبيئة الشعبية العراقية (مواقع التواصل)

وشارك حسن في معرض جمعية أصدقاء الفن، بدأ معبرا عن الطبيعة التي عاشها بواقعية أكاديمية، كما عبّر عنها بطريقة المدرسة الحديثة. ويعتبر الرسام الأول في البلد بمنحاه الأكاديمي لكونه أكثر الرسامين واقعية، ولالتصاقه بالواقع والبيئة الشعبية العراقيين، فضلا عن أنه نحات بارع في اللون.

ولم يهمل الشكل بوصفه وحدة ضرورية عضوية لعمل اللوحة، ويختلف عن سليم الذي فضل الشكل أكثر من اللون. وأضحى فائق حسن في خمسينيات القرن الـ20 ظاهرة متميزة في الفن العراقي، فهو المؤسس الأول -بلا منازع- لفن الرسم في العراق، كما يقول الفنان شاكر حسن آل سعيد.

معركة ذات الصواري من أبرز أعمال فائق حسن (مواقع إلكترونية)

وأشار آل سعيد إلى أن حسن فنان كبير له الفضل في إرساء أسس موضوعية في تأسيس معهد الفنون الجميلة بالتعاون مع زميليه جواد سليم وحقي الشبلي. وحين أرسلته الحكومة آنذاك في بعثة إلى باريس لدراسة الفن، جمع أعماله وعرضها على البروفيسور الفرنسي روجيه، فقرر قبوله فورا.

رحل فائق حسن ولم يكمل رسم لوحته الأخيرة، وترك خيوله تصهل في فلوات قماشات الرسم حزنا وأسفا عليه، رحل وتمنياته بشم رائحة الوطن ظلت حسرة، رحل تاركا فنه قصيدة عشق أبدية تتهجى حروفها العيون العاشقة.

سبتي: فائق حسن أُرسل للدراسة في فرنسا بعد أن أبهرت إحدى لوحاته الملك فيصل الأول (الجزيرة)

أسلوبه الفني

تناول فائق حسن في لوحاته البيئة العراقية والحياة البدوية، وكان موضوع الخيول العربية شغله الشاغل لمدة طويلة حتى إنه تمكن من إظهار الخيول العربية ومزاياها الجميلة بقدر أذهل من تابعها.

ووصفه الموسوعي العراقي حميد المطبعي في موسوعته قائلا "وضع فائق حسن قواعد لفن تشكيلي، تبدأ من استلهام التراث الحضاري وتنتهي بمعايشة الفلكلور المعاصر، وكان يقول: اللوحة يجب أن تتضمن تاريخا رمزيا"، وهو "أول فنان عراقي فلسف اللون، وأنتج عبر تجاربه الفنية قيما لونية جعلها أساس اللوحة".

وقال رئيس جمعية التشكيليين العراقيين الفنان قاسم سبتي للجزيرة نت إن فائق حسن تعلق بخاله البستاني الذي كان يعمل في البلاط الملكي، وحين شاهده الملك فيصل الأول وهو يرسم طلب منه أن يرسم إحدى لوحاته فأبهره، ووعده ببعثة إلى باريس، لكن الملك توفي عام 1933، فنفذ خلفه الملك غازي الوصية بعد سنتين.

الزيدي أكد أن فائق حسن رائد للفن التشكيلي العراقي ورسام بارع (الجزيرة)

مؤسس الواقعية

وفائق حسن مؤسس للواقعية العراقية ومؤسس أول قسم للرسم في العراق. للأسف كانت له قاعة كاملة في متحف الفن الحديث تضم مئات اللوحات سرقت معظمها. وقد أنتجت شبكة الإعلام العراقي فيلما عنه.

ويقول الناقد الدكتور جواد الزيدي للجزيرة نت "المرحلة كانت هي مرحلة فائق وجيله.. الكل أجمع عليه بوصفه رساما بارعا وكبيرا دون أن يقول إني كبير، أجمعوا على ريادته للفن التشكيلي دون اعتراض الرواد، وكان أيضا مؤسسا لمشاريع، ومنظرا لمقولات في الرسم، ومعلما اجتهد أن يبلغ الدرس". وأضاف الزيدي "أجزم بأنه خالد بخلود اتساعه في لوحاته".

كما امتدح الفنان التشكيلي الراحل نوري الراوي نظيره الراحل فائق حسن ووصفه بأنه مدرسة، وكتب الفنان شوكت الربيعي عن ريادته وحسيه العالي، وعالج الفنان محمد الجزائري رسومه في ضوء علاقاته الاجتماعية، وحلل الناقد سهيل سامي نادر أسلوبه وفلسفته.

كتب عنه أيضا الفنان التشكيلي عادل كامل في كتابه "مئة عام من التشكيل العراقي"، الصادر عن وزارة الثقافة السورية عام 2008، قائلا إن "فائق حسن أسس جماعة الرواد التي حملت دعوة مباشرة للبدائية، وليس للتخلي عن المعارف الأوروبية، وإنما للتخلي عن التعقيد والعودة إلى المكونات الفطرية. فاشتهرت الجماعة بسفراتها المنتظمة إلى الحقول والمزارع والقرى.. فالطبيعة شكلت ينبوعا لإثراء تجاربه وخبرته".

فائق حسن اختار أكثر الأساليب تجسيدا لفكره الواقعي (الجزيرة)

بيد أن الفنان جواد سليم، ولأسباب مهارية وشخصية، ذهب أبعد من أهداف فائق حسن التقنية الفنية، فكان النص عنده يتوخى تضمينات فكرية وجمالية، وليس التوقف المحض عند مشكلات الرسم. فكان أن انفصل عن الفنانين الرواد، ليشكل جماعة فنية ذات أبعاد تخص تداخلات وتقاطعات وتكاملات مصائر الموروث.

وعن واقعيته يضيف عادل كامل في كتابه "لم يغامر حسن بالبحث عن الأسلوب كما فعل جواد سليم، فاختار أكثر الأساليب تجسيدا لفكره الواقعي، ثم توصل إلى قناعة مفادها أن الفن الواقعي المرتبط بعقل واقعي هو الأكثر تعبيرا عن أفكار الفنان وأكثر صلة بجمهوره".

وبالتأكيد -يتابع كامل- طبيعة الرسم في العراق خضعت لتأثيرات حسن وسليم، وهي تأثيرات لم تأت من خلال الأعمال الواقعية الفذة فحسب، بل من خلال بحث الفنان الدائم عن خلاصة منطقية للأساليب والتأثيرات الأوروبية والتراثية، وعلى صعيد آخر كانت فعاليته أساسية في تربية الأجيال من الفنانين وخلق تقاليد فنية موضوعية.

ويضيف كامل "إذا كانت الجوانب النظرية والاجتهادات ارتبطت بفنانين، فإن واقع الرسم اقترن بحسن كرائد لفن الواقعية، وهي واقعية لا تكتسب هذه الأهمية دون وجود نظام فكري واقعي رصين".

الدليمي: تلامذة فائق حسن ينتشرون في كل العالم (الجزيرة)

وقال الناقد علي الدليمي للجزيرة نت إن تأثير فائق حسن تشكيليا، لا سيما بفن الرسم، يجعلنا نتلمس جليا بصمته وتأثيره على المشهد الفني عموما وقياداته المجاميع الفنية وقتذاك. وأصبح تلامذته ينتشرون في كل العالم ولهم بصمة فنية مميزة كأستاذهم.

وأضاف أن فضل فائق حسن ليس متصلا بالفن داخل العراق وخارجه فقط، "بل جاء لإمكانياته الفنية الهائلة ومهارته الفائقة في التخطيط ولغة اللون ودراسته العميقة للإنشاء التصويري والسرعة في ضرباته اللونية. لقد أصبح، رمزا فنيا عالميا، جعل العراق يفتخر به".

المصدر : الجزيرة