بطموح غير محدود.. الكويتي فهد الهاجري يحول الأخشاب والأحجار إلى قطع فنية

النحت على الخشب
فهد الهاجري بدأ مسيرته بالنحت على الخشب (الجزيرة)

ربما يكون حب التجربة، في بعض الأحيان، طريقا نجد من خلاله ضالتنا التي نبحث عنها، فيستهوينا ذلك، وينير لنا الضوء كمرشد في هذا المشوار. هذا ما حدث مع الفنان فهد الهاجري الذي ترك الرسم بعد أن استهواه فن النحت.

بداية الهاجري كانت مع الرسم عام 1988 حتى 2005، عندما كان يتابع أحد النحاتين، فاستهواه ذلك، وأخذ قطعة من الخشب وبدأ في النحت عليها، فتحول بعد 7 سنوات من الرسم إلى النحت.

وبدأت حكايته مع النحت، ودخل هذا العالم الخاص لأنه وجد نفسه قريبا منه أكثر، قبل أن يتدرج بعد ذلك في فن النحت، وهناك ارتباط بينهما، وكما يقول "لا يمكن أن تصبح نحاتا إن لم تكن رساما".

العشق الحقيقي

يقول الهاجري عن بداياته مع النحت "بدأت بتجربة صغيرة في النحت على الخشب، وهي المادة المتوفرة في الكويت أكثر من الحجر والرخام، فوجدت نفسي في هذا الفن، لأن النحت يمكنك من تكوين عمل فني من لا شيء، فمثلا جذع شجرة ساقط على الأرض تستطيع أن تأخذه وتصنع منه عملا فنيا".

وأضاف "أحببت النحت، وبعدها تشعبت فيه كثيرا، وجربت النحت على الحجر والرخام والغرانيت والطين، وتدرجت في النحت فبدأت بإنتاج أعمال من الخشب، ثم الأحجار، واطلعت على مدارس كثيرة وأصبح لدي أسلوبي وتقنيات خاصة بي، واجتهدت كثيرا، حتى أخذ النحت مني الكثير من الوقت، وأصبح هو العشق الحقيقي لي، ويوميا كنت بعد انتهاء عملي، أتجه إلى ممارسة النحت وأقضي ساعات طويلة، وأجرب أعمالا جديدة ومواد جديدة".

وكان الهاجري يتدرب على النحت الغائر والبارز، وهذه أول الأشياء التي عرفها الإنسان القديم من خلال النحت على جدران الكهوف، قبل تطور الكتابة، فكانوا يستخدمون النحت في أمور معيشتهم اليومية، من خلال صنع أدوات الطعام، أو السلاح للدفاع عن النفس.

ثم دخل "النحت" في صناعة الأواني والفخاريات والأسلحة، فكان حرفة لحاجة يومية، وليس فنا، ثم انتقلوا إلى البنيان ورص الحجارة، وكانوا ينحتون التماثيل ويتخذونها آلهة.

تطور النحت من حاجة يومية لفن، وأبدع النحاتون في نقل رسائل من الحضارات السابقة، فالسومريون مثلا كانوا يبنون كل شيء من الطين، وتطور الموضوع أكثر مع تتابع الحضارات، كما فعل الآشوريون، فهم من أصحاب الحضارات المبدعة في النحت، وآخر الحضارات كانت الإسلامية، فاشتهرت جمالية المنحوتات بالأندلس، وكثيرا من الحضارات اعتمدت النحت في البنيان، وكانوا يعتمدون على النحاتين بشكل كبير في بناء حضاراتهم.

ويعتبر الهاجري النحت بالنسبة له هواية، فقد درس المحاماة، لكنه يجتهد لتطوير نفسه بشكل دائم.

عمل فني- موضوع النحت
الفنان الكويتي الهاجري تدرج في النحت فبدأ بإنتاج أعمال من الخشب ثم الأحجار (الجزيرة)

لغة عالمية

يعتقد الهاجري أن كثيرا من الناس، في الكويت، يجهلون المعنى الحقيقي لفن النحت، فالبعض ينظر إليه من باب التحريم على أنه تجسيد لشيء معين، كالتماثيل والأصنام. لكن النحت ليس كذلك تماما، وعن ذلك يقول "لقد تجاوزنا عصر الجاهلية، والإسلام متأصل فينا، ومن غير المعقول أن يصنع الإنسان تمثالا للزينة ثم يقوم بعبادته".

ويقول "النحت مدارس كثيرة كالتجريدية والسريالية وغيرها، وهناك أشكال هندسية وجمالية، كما أنه عبارة عن فكرة عاشها الفنان أو شاهدها ويريد إيصالها للناس بأسلوب فني، والفن لغة عالمية يفهمها جميع البشر، ومعظم الأعمال الفنية لها رسالة معينة".

وأشار إلى أن الكويت تعاني من قلة المعارض المختصة، وقلة عدد النحاتين، رغم وجود الكثير من الشباب والشابات الذين يحبون هذا النوع من الفن، وأضاف "لكن نظرة البعض لفن النحت على أنه حرام، وتشكيكهم بالأعمال المنحوتة، قلصت من الاهتمام بهذا الفن، وهؤلاء لا يهاجمون النحت عن معرفة بأسلوبه ومدارسه، وكثير من الدول المجاورة تنظم الملتقيات الفنية للنحت، كالسعودية وقطر والبحرين". ويذكر الهاجري أنه شارك في ملتقى أقيم في المدينة المنورة، بمجسمات للمساجد وأعمال إسلامية "ففن النحت يرتبط بأمور كثيرة في حياتنا ويجب ألا تقتصر النظرة إليه من باب واحد فقط".

مشاركات مفيدة

شارك الهاجري في ملتقيات كثيرة، ولديه اعتراف دولي من منظمة النحت الدولية (issa) بالصين، المتخصصة في تنظيم الملتقيات الدولية، وتضم نحو مئة نحات من دول متنوعة، وقد شارك في 11 ملتقى أبرزها بالمدينة المنورة ومصر وسلطنة عُمان وكمبوديا ونيبال وأرمينيا والولايات المتحدة، ولظروف خاصة لم يتمكن حضور ملتقيين بالإمارات وقطر.

ويعتقد الهاجري أن الملتقيات تضيف الكثير للمشاركين فيها، ولذلك يحرص على المشاركات الخارجية كثيرا، وهو يعتز بمشاركته في ملتقى المدينة المنورة، إلى جانب 16 نحاتا، ويقول "شاركت بعمل منحوت عبارة عن 5 مساجد في مسجد واحد يضم ملامح من المسجد النبوي ومسجد قباء ومسجد الجمعة ومسجد القبلتين ومسجد بلال بقطعة واحدة".

أما في الكويت، فلم ينظم سوى ملتقى واحد فقط عام 2017 تحت إشراف المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، بمشاركة نخبة من فناني النحت، ورغم الطموحات الكبيرة التي كانت قائمة بتنظيم ملتقيات أخرى فإن ذلك لم يحدث.

ملتقى النحت الدولي الأول في الكويت
الكويت تفتقر للمعارض الفنية المختصة وقلة عدد النحاتين (الجزيرة)

طموح غير محدود

يمتلك الفنان الهاجري طموحا كبيرا لا حدود له، ويقول "ليس لدي سقف محدد للطموح ولم أضع درجة معينة لأتوقف عندها". فعلى المستوى الشخصي، أقام معرضا عام 2019 بأرمينيا، بدعوة من أحد الزملاء، ولاقى نجاحا واسعا، وشهد حضورا متميزا من أعلى المستويات ومن الناحية الجماهيرية.

أما داخل الكويت، فلم يفكر الهاجري بإقامة أي معرض لأسباب كثيرة أهمها الفكرة السيئة لدى بعض الناس عن فن النحت، إضافة إلى أن صالات العرض الحكومية ليست بمستوى جيد.

وأضاف "أتمنى أن أرى انتشار المنحوتات الجمالية في بلادي بالأماكن العامة والحدائق والساحات الكبيرة، لكن للأسف ليس لدينا مسؤول يحب الفن ويدافع عنه، وأنا أقول لولا فن النحت لما تعرفنا إلى الحضارات الأخرى، وأتمنى الاهتمام بالفن والثقافة لأنهما أساس بناء جميع الحضارات البشرية".

النحت جزء من حياتنا اليومية

يؤكد الهاجري أن النحت جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية، فالهاتف والسيارة وغيرها تبدأ بأعمال يتم رسمها ثم نحتها من الطين، وكذلك البيوت والأبراج التي نسكنها، وهذا النوع من الفن مختلف ويدخل حياتنا اليومية، لكن الناس يجهلون ذلك.

وعن ذلك يقول إن الكثيرين يجهلون هذا، فالعمارات العالية أو ناطحات السحاب عبارة عن منحوتات بناء هيكل من حديد ثم يتم تلبيسه بالزجاج، وهذا الشكل الجمالي يُسمى النحت البنائي، وفي الكويت يوجد أكبر منحوتة عمارية "برج الحمراء" وهو أعلى مبنى خرساني في العالم بارتفاع يصل إلى 414 مترا.

عمل فني- موضوع النحت
الهاجري لديه ورشة خاصة بالمرسم الحر التابع للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب (الجزيرة)

جيل جديد

وللهاجري ورشة خاصة به في المرسم الحر الذي يتبع للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ويعد حاضنا لتاريخ حافل من الفنون وشاهدا ليس على التاريخ المعماري القديم بالبلاد وحسب، بل على عراقة الفنون المعمارية الكويتية.

وفي هذا الركن الخاص به، يقوم بتدريب بعض محبي فن النحت، وتنظيم بعض الدورات بنظام مفتوح على مدار العام، أي ليس لها وقت محدد، ويحرص على تدريب البعض كي يولد جيل جديد يضمن استمرار هذا الفن.

تأثير كورونا

خلال فترة انتشار كورونا، وبسبب الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الكويت، تأثر عمل الهاجري كثيرا، فيقول "كورونا دمرتني، فقد أثر انتشار الفيروس بشكل كبير على عملي، لأن النحت يحتاج ورشة خاصة، ولا يمكن أن تعمل في البيت لما يسببه ذلك من أذى وإزعاج للآخرين، وطيلة فترة سنة ونصف السنة تقريبا".

ويختم "اكتفيت بعمل منحوتات طينية صغيرة من أجل الممارسة فقط، رغم محاولاتي الكثيرة للحصول على رخصة تسمح لي بالعمل في الورشة المخصصة بالمرسم الحر، لكن للأسف، فإن الأماكن المخصصة للفن آخر شيء تم إعادة فتحه بعد انتهاء فترات الحظر الجزئي أو الكلي، والحكومة آخر همها تشجيع الفن والثقافة، بدليل أنهم سمحوا بافتتاح المجمعات التي ترتادها أعداد كبيرة من البشر، بينما أنا بقيت أنتظر حتى اللحظات الأخيرة لفترة الحظر، كي يسمح لي بالعودة لممارسة العمل في الورشة".

المصدر : الجزيرة

إعلان