الجزائر.. أعمال فنية تقاوم سرعة اللهب في حرائق الغابات

الجزائر- "المحنة" هو عنوان الفيلم القصير الذي ولد من بين ألسِنة الحرائق التي طالت الجزائر إلى جانب عدد من الأعمال الفنية التي انتشرت في الاتجاه المعاكس للّهب، الذي التهم عشرات آلاف الهكتارات من مساحات الغابات بالبلاد وأودى بحياة العشرات.
استطاع فيلم المحنة القصير أن يشد انتباه رواد مواقع التواصل الاجتماعي بالجزائر الذين انشغلوا طيلة الفترة الماضية بمتابعة فيديوهات الرعب عن الحرائق بمختلف مناطق البلاد، من الطارف وسكيكدة وعنابة وتيزي وزو وتيبازة والبليدة، وغيرها.
اقرأ أيضا
list of 3 itemsحمدي بنّاني .. وتر الكمان الجزائري الذي انقطع بعد نصف قرن من العزف
محمد فوزي رائد الموسيقى الشبابية.. أصيب بمرض نادر سمي باسمه
يصف العمل الفني الذي شاهده 1.5 مليون خلال 18 ساعة فقط، حالة الحزن الجماعية التي يعيشها الجزائريون مما يحدث في بلادهم، بدءا من الموجة الثالثة لكورونا وصولا للحرائق ثم يعطي بصيص أمل في النهاية بكلمة "سننتصر".
يقول منتج العمل الشاب يحنين زيان في تصريحه للجزيرة نت "أن دور الفن يظهر فعليا في الأزمات وكيف أنه يأتي لإخماد حرائق الروح التي التهبت حرقة على الوطن".
يشدد زيان على أن "الفن الذي لا يواكب جرح الوطن لا معنى له"، ويؤكد بطل الفيلم القصير وكاتبه علاء الدين مروشي من جهته أن "ما فجر الأفكار في رأسه هو موقعة قتل الفنان الشاب جمال الدين بن إسماعيل الذي تنقل لإنقاذ الأرض فاغتالته أيادي الغدر".
وفي السياق ذاته، أعاد الفنان الشاب عمار بن قرين غناء أحد أعمال المغدور جمال بن إسماعيل الذي لقب بشهيد الوطنية بعنوان "بلادي الجزاير"، يقول في تصريحه للجزيرة نت "لم أسمع بالأغنية إلا بعد وفاة الفنان وتأسفت أنها لم تصلنا قبل رحيله ولكنني قررت أن أعيد تأديتها تخليدا لروحه وتذكيرا بفنه".
الفن والأزمات
يكفي أن نذكر عناوين لأغنيات أو لمؤلفات أدبية جزائرية أو مسرحيات، حتى يتم ربطها بمرحلة تاريخية فاصلة في عمر البلاد، فلطالما ارتبطت الفنون بنقل الهم الجماعي وحاولت تضميد الجراح التي حملها الجزائري تجاه وطنه على مر الأزمات والنكسات، كما ارتبطت أخرى بمشاركته أفراحه على مر الانتصارات.
فرغم التغيرات التي مست الذائقة العامة تجاه الفن فإنه لم يفقد أهميته وأثبت بصمته اليوم كما فعلها دائما، ورغم ظهور نوافذ ترفيهية جديدة تتماشى والتكنولوجيا الحديثة والمنصات الرقمية، فإن الفن لم يفقد بريقه ولا أثره، وكان حاضرا في أصعب المحطات وأقساها كما فعل في أكثر المواقف الوطنية سعادة وانتشاء ونصرا.
يكفي أن نذكر عنوان العمل الفني والأدبي حتى يربطه الجزائري بحدث جميل أو عصيب مرت به البلاد، فحينما يذكر اسم علي معاشي وأغنية "ما زال عليك انخمم"، أو أغنية فريد علي "أيما أصبر أور تسرو"، بمعنى أمي اصبري ولا تبكي، أو قصيدة مفدي زكريا التي أصبحت نشيدا وطنيا أو أغنيات خليفي أحمد وصليحة، حتى تعود للذاكرة مختلف المحطات التي مرت بها ثورة التحرير أثناء الاحتلال الفرنسي.
ولا تخلو قصص الفنانين من الأعمال التي مجدت الثورة وضمدت الجرح وخلدت الأبطال، فقد عمل الفنانون على تقديم أعمال مسرحية توعوية لشحذ الهمم، كما فعل حسن الحسني المعروف ب"بوبقرة" في المعتقلات الفرنسية حينما كان يقدم عروضا فردية كوميدية، تحاكي واقع الجزائري الباحث عن الحرية آن ذلك.
يكفي أن نذكر عددا من العناوين الأدبية والفنية حتى يعود جرح سنوات العشرية السوداء الذي ما زال يؤلم الجزائريين إلى اليوم رغم سعادتهم بتخطيها، فلا يمكن نسيان فضل أغنية "l’Algérie mon amour" (الجزائر حبي)، التي أداها ثلة من الفنانين، أو أغنية for Algeria we sing"" (للجزائر نغني).
إلى جانب عدد من روايات ما يعرف بـ "الأزمة المكتوبة" أو "الأدب الاستعجالي" على غرار ما قدمه ياسمينة خضرا في رواية "بم يحلم الذئاب" التي ترجمها أمين الزاوي، وروايتي "فوضى الحواس" و"عابر سرير" لأحلام مستغانمي وغيرها من الأعمال الأدبية التي أرّخت لتلك الحقبة، من خلال نقل قصص من خيال وتفاصيل واقعية عن جرح عشرية الدم.