جلب الدواء أيام الحصار وأهدى معظم أفلامه لمؤسسة السينما ببغداد.. يوسف شاهين بعيون فنانين عراقيين
شاهين جاء للعراق على رأس وفد شعبي مصري عام 1998 للتضامن معه أيام الحصار الذي فرض عليه في تسعينيات القرن الماضي
بغداد- تمر هذه الأيام الذكرى الـ13 لرحيل المخرج المصري يوسف شاهين، وهو صاحب مدرسة سينمائية وأسلوب إخراجي يتسم بالتركيز على الذات وسبر أغوار الجانب النفسي للشخصيات.
وزار شاهين -الذي توفي في 27 يوليو/تموز عام 2008- العراق أكثر من مرة وقدم أفلامه هدية إلى مؤسسة السينما العراقية، لكي تبقى صلة العلاقة الفنية قائمة بينه وبين الفنانين العراقيين. وقد جلب فيلمه "العصفور" إلى بغداد بعد منع عرضه أول مرة في مصر وبعض الدول العربية، لكن العراق اشتراه بمبلغ كبير.
نصرة العراقيين
ويقول الممثل والمسرحي العراقي الدكتور ميمون الخالدي للجزيرة نت، إن شاهين جاء للعراق على رأس وفد شعبي مصري عام 1998 للتضامن معه أيام الحصار الذي فرض عليه في تسعينيات القرن الماضي ورافقته كممثل لنقابة الفنانين العراقيين. وقال شاهين حينها "جئنا لنصرة الشعب العراقي وليس حكومته، لأننا نرفض تجويع الشعوب".
اقرأ أيضا
list of 3 itemsفي ذكرى تأسيسها.. ما حكاية البلبل الذي كانت تفتتح به إذاعة بغداد برامجها ورعب مقتل عبد الكريم قاسم داخل مبناها؟
أم كلثوم ونجيب الريحاني وبديعة مصابني قدموا أبرز أعمالهم على مسارحه.. جولة في شارع الرشيد في بغداد في ذكرى تأسيسه
وأكد الخالدي أن شاهين مخرج مفكر يثير الأسئلة التي تناقش أوضاع الشعوب، وكانت السينما همه الكبير ويهتم بالشباب ويساند خطواتهم السينمائية، ويتميز بخفة ظله ولطفه في التعامل الإنساني.
رفض إخراج فيلم عراقي
من جهته، يسرد المخرج عزام صالح ذكرياته عن زيارة شاهين لأكاديمية الفنون الجميلة في بغداد، مشيرا إلى أن الفنان الراحل رفض إخراج فيلم عن العراق، وقال إن "أهل بغداد أعرف بشعابها، وسينمائيو العراق أحق مني".
وأشار صالح إلى أنه كان يخرج الفيلم العراقي "الأيام الطويلة" حينها وزار شاهين موقع التصوير، وكان يجلس في النادي على خشبة المسرح، ويتحدث وكأنه بمؤتمر صحفي، كما شاهد فيلم "الرؤية الآن" للمخرج كوبولا في سينما سميراميس بشارع السعدون وسط بغداد.
كما زار شاهين جمعية العصر والحضارة وهو تجمع طلابي في أكاديمية الفنون في بغداد، واستضاف عددا من الفنانين والمخرجين العرب كتوفيق صالح وصلاح أبو سيف ويحيى شاهين وأحمد عباس صالح، وكان شاهين ودودا ويناقش بروح عالية ولا ينزعج من النقد.
تلميذة شاهين
أما خيرية المنصور أول مخرجة عراقية في السينما العراقية وعملت مساعدة لشاهين في عدد من أفلامه، فتصف المخرج الراحل بالأستاذ المربي، حتى أن أعمالها تمحورت وبقيت تدور في فلكه، وهي الوحيدة التي كتبت تجربتها المثيرة مع عالم شاهين في 4 تجارب مهمة في السينما العربية.
وقالت خيرية المنصور للجزيرة نت إن معرفتها بشاهين تعود لثمانينيات الـ20، وأصدرت كتابا عنه بعنوان (شرنقة يوسف شاهين الفكرية). وعملت معه كمساعدة مخرج في أفلام "حدوتة مصرية" و"إسكندرية كمان وكمان" و"المصير" و"كلها خطوة".
وتضيف "كان شاهين يكتب السيناريو لفيلم "حدوتة مصرية" بالمشهد فكريا، ويؤمن أن السينما أداة تغيير لا تعطي الحل الجاهز، والمشاهد عليه أن يفكر ويتخذ قراره، لذلك سميت سينماه بسينما المثقفين"، وتحسه مرشدا ينوء تحت ثقل الحقيقة، وواجب إيصالها إلى المشاهد بأسلوب سينمائي يكون معه مفكرا وواضعا للحلول.
وتعتقد خيرية أن شاهين حرر السينما من الأطر الكلاسيكية المملة والثرثارة، وتشير إلى أن حواراته قليلة ومركزة، ويشرك المتلقي معه، لافتة إلى أنه كان يقضي عدة شهور مع الورق يكتب النص وبعده الديكوباج أو السيناريو الإخراجى (Decoupage) والسيناريو التنفيذي ويرسم ويحدد زمن اللقطة.
وأشارت في حديثها للجزيرة نت: "علمني شاهين الكثير، وأبهرني جدا، أقرأ النص نظريا ثم أرى التطبيق عمليا، وهي فرصة ودراسة لا تتوفر في المعهد التعليمي، وكان إيماني به يزداد يوميا لصدقه وحبه للعمل".
وتتابع "أثناء كشف مواقع التصوير كان أسرعنا وأنشطنا لا يتعب أو يمل، وكما وصفه النقاد- مؤسس تيار المكاشفة وحساب الذات في السينما العربية الجديدة، يؤكد على قيم الفردية لفكر فردي وأصيل ومتفرد. وفي مواجهة الأفكار الهدامة، وقف شاهين مع الشعب العراقي في محنة الحصار وجلب الأدوية لأطفاله، ووقف بفكره ضد الدول الإمبريالية، وأهدى كل أفلامه لمؤسسة السينما العراقية".
وأضافت خيرية "تمسك شاهين بي حينما طلبت دائرتي عودتي للعراق، عند نهاية فيلم "حدوتة مصرية"، وأصر على بقائي للنهاية وأسافر معه لفرنسا لطبع الفيلم، وفي المهرجانات كان يطلبني للحضور كما في مهرجان البندقية في إيطاليا".
وتشير إلى أنه عندما أخرجت الفيلم العراقي "ستة على ستة"، حملت له السيناريو إلى القاهرة وقرأه وقال "لم يذهب تعبي سدى بل كنت أفضل المتعلمين في فريقي"، وقبل وفاته بشهرين نصحني بافتتاح شركة فنية خاصة حتى لا أكون تابعة وأكون أميرة لأفكاري.
شاهين والتجريب
أما المخرج الدكتور طارق الجبوري فيسرد ذكرياته مع شاهين عند زيارته لأكاديمية الفنون الجميلة وإجرائه حوارا مفتوحا مع طلبة السينما، مشيرا إلى أن شاهين جاء لتسويق فيلمه "العصفور، وكنت تعرفت على فيلمه "جميلة بو حيرد" بعمر13سنة، واستهواني فيلم "صراع في الوادي"، وأعجبت جدا بفيلم "باب الحديد" المخالف لأفلامه النمطية.
وأضاف الجبوري: "ظل شاهين يعيش هاجس التجريب، ما أضعف أسلوبه وميع هويته وهجن بصمته، كما أثيرت معه خلال الحوار رداءة الصوت في أفلامه، فنسب ذلك للخلل التقني وعدم جودة التسجيل وقدم التقنية المستعملة، وردا على تقليد الممثلين لنبرة صوت شاهين، قال إن ذلك يعود إلى أنه يلقنهم في الأداء".
ويشير الجبوري إلى أن شاهين اشتكى خلال ذلك الحوار من قلة التمويل وكان مستاء لقلة الممولين، وانزعج لاعتبار أفلامه بأنها ليست أفلام شباك، وتعد مغامرة وإهدار المال كفيلمي "وداعا بونابرت" و"إسكندرية.. ليه؟"، وأكد أن شاهين ركب موجة التغيير نحو السينما التجريبية الجديدة على خطى المخرج الإيطالي فيديريكو فليني.