عودة شريهان إلى المسرح بقلب طائر متعلق بالحياة
تملك شريهان نظرة مميزة كأنها علامتها المسجلة، تجدها في استعراضات الفوازير وعلى خشبة المسرح وفي السينما، نظرة تفيض بحب الحياة والتمسك بها.
"الاهتمام بالتفاصيل يصنع حدثا عظيما، وهذه مسؤولية كل إنسان وبالأخص الفنان"، بهذا علقت الفنانة المصرية شريهان في "إنستغرام" على الصور التي تنشرها للمرة الأولى بأزياء العرض المسرحي "كوكو شانيل" المنتظر عرضه اليوم الثلاثاء، أول أيام عيد الأضحى الموافق 20 يوليو/تموز الجاري، وذلك عبر منصة "شاهد".
وتجسد شريهان في هذا العرض شخصية مصممة الأزياء الرائدة الفرنسية غابرييل بونور شانيل، المعروفة باسم "كوكو شانيل"، في مسرحية العودة لنجمة الاستعراضات والفوازير في الثمانينيات وحتى منتصف التسعينيات.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsفنانون يفخرون برفض التطبيع وآخرون أعلنوا دعمهم
اعتماد خورشيد.. رحيل الشاهدة على انحراف مدير المخابرات في عهد عبد الناصر
تاريخ صفوت الشريف.. صراع ضابط المخابرات مع سعاد حسني وعمر خورشيد
هذه العودة ليست الأولى في حياة شريهان الحافلة بغيابات ومآسٍ عادت بعدها أقوى، لكنها العودة بعد غياب طال لأكثر من 18 عاما. فقد أطلّت شريهان على جمهورها -في أول أيام شهر رمضان قبل نحو 3 أشهر- عبر إعلان حقق أكثر من 60 مليون مشاهدة عبر يوتيوب، بما يليق بعودة منتظرة لنجمة طال غيابها، وقد كان هذا الإعلان أيضا مؤشرا على مدى النجاح الذي يمكن أن تستعيده العائدة بعد غياب دام طويلًا.
في حفل الإعلان عن عودتها عام 2017، وقفت شريهان بين كل من جمال ومدحت العدل، منتجي مسرحية "كوكو شانيل"، وضمت كفيّها ونظرت للأعلى وهمست "اللهم لك الحمد والشكر"، الشكر والامتنان الذي وجهته إلى السماء وجهته إلى ضيوف حفل عودتها وجمهورها والعاملين في الفن، على الاحتفاء الذي حمّلها بـ"رهبة رهيبة" بحسب تعبيرها، رهبة أقوى من مواجهة الموت وسرير المرض، وكل المآسي التي واجهتها على مدى أكثر من نصف عمرها.
كان احتفاءً مهيبًا بعودة نجمة محبوبة، احتفاء دفع بالمخرج المسرحي سمير خفاجي لأن يكافح مع كرسيّه المتحرك وهو في الـ87 من عمره، ليحتفي بعودة فنانة ساهم في تشكيل شخصيتها ونحتها.
أحداث مفرطة في التراجيديا
منذ ولادتها في 6 ديسمبر/كانون الأول 1964، شهدت حياة شريهان أحمد عبد الفتاح الشلقاني أحداثا مفرطة في التراجيديا. صحيح أنها ولدت بحي الزمالك لأسرة ميسورة الحال، وأخوها فنان شهير حقق نجاحا مشهودا وهو في ريعان الشباب، لكن هذه الحياة الرغيدة المفروشة بالورد لم تخلُ أبدا من شوك يُدمي القلب.
كانت بدايتها مع شوكة في الحلق تتمثل في صراع قضائي مرير، سعت شريهان خلاله لإثبات نسبها لأبيها. إذ اضطرت والدتها السيدة الراحلة عواطف إلى الزواج من عبد الفتاح الشلقاني، المحامي الشهير وأحد أثرياء القاهرة زواجا عرفيا، لا لسبب إلا لكي تحفظ لابنها الوحيد عمر خورشيد صفة عائلها الوحيد، وبالتالي تمنع عنه الطلب للالتحاق بالخدمة العسكرية آنذاك.
لكن هذا الزواج غير الموثق رسميا أثمر عن ميلاد ابنتهما شريهان، التي دفعت ثمن هذا الزواج العرفي عبر مشوار طويل أمام المحاكم، لإثبات نسبها للأب الذي رحل فجأة تاركا ابنته تواجه مصيرها مع عائلته التي رفضت الاعتراف بنسب الابنة وشككت فيه. ولم تحسم هذه القضية إلا في 20 يونيو/حزيران 1980، أي قبل أن تتم شريهان عامها السادس عشر.
حياة بلا عمر.. حياة بلا طعم
لم تكن الرحلة الشاقة التي خاضتها شريهان في المحاكم هي نهاية مآسيها، فبعد أقل من عام من إثبات نسبها لأبيها، فقدت أخاها الأكبر المقرب منها وداعمها الفني الأول، إذ كان الرحيل المفاجئ لأخيها الموسيقار عمر خورشيد في 21 مايو/أيار 1981، من كبرى الصدمات التي تعرضت لها شريهان في أعوام عمرها الأولى، وظلت آثارها باقية على شريهان لسنوات طويلة، وكانت تردد دائما "الحياة بدون عمر ليس لها طعم، فقد كان أخي وأبي وصديقي".
بعد أقل من 6 سنوات حاولت خلالها شريهان أن تتلهى بالفن عن فقد أخيها عمر، صُدمت بوفاة والدتها، لتفقد سندها الأول وداعمها الوحيد في الحياة. حينها كانت شريهان ملء السمع والبصر بعد نجاحها الكبير في تقديم فوازير رمضان في التلفزيون المصري.
لا شيء يوقفنا
وفي الإعلان الأشهر خلال رمضان الماضي، يبدو أن الشركة المعلنة لجأت لطرح شعارها الجديد "قوتنا إن مفيش حاجة تقدر توقفنا" على لسان أكثر الشخصيات التي تتمتع بهذه القوة، شريهان التي أثبتت أن لا شيء يقدر على إيقافها، فبعدما شهدته من فقد ووفاة أقرب اثنين إليها، تعرضت الشابة التي يملأ صوتها واستعراضها الآفاق في التلفزيون والسينما وحتى المسرح، إلى حادث جسيم في 24 مايو/أيار 1989.
إذ بعد 3 أيام من مرور الذكرى الثامنة لوفاة شقيقها في حادث سيارة، عاشت تفاصيل حادث سيارة مأساوي كاد أن ينهي حياتها الفنية تماما، خرجت منه بإصابات بالغة في العمود الفقري الذي كُسرت فقراته بالإضافة إلى عظم الحوض، مما استدعى سفرها إلى خارج مصر وبقائها سنوات طويلة تحت الإشراف الطبي، خضعت خلالها لجلسات العلاج الطبيعي ومحاولات لإعادة التأهيل، وخاضت خلالها تجربة قاسية، وتوقع الأطباء أن تتماثل للشفاء خلال 7 أعوام، لكنها عادت بعد مدة قياسية خلال 3 سنوات فقط إلى ممارسة نشاطها الفني بقوة وتحد، وقدمت مسرحية "شارع محمد علي" وفوازير رمضان لذلك العام.
جراحة 18 ساعة
واصلت شريهان العلاج في أثناء عملها الفني، حتى قدمت فيلمها الأخير "العشق والدم" عام 2002، وعنه فازت بجائزة أحسن ممثلة في مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي، وبالتأكيد أصاب الحزن قلوب كثيرين ممن سمعوا عبارات رسالتها القصيرة التي أرسلتها اعتذارًا عن عدم تمكنها من الحضور لتسلم الجائزة، والتي قالت فيها "إنني أمر بأزمة صحية تمنعني من الحضور، ولكن كل شكري لكم ولتقديركم للفيلم ولدوري فيه، وأطلب منكم الدعاء".
وعلى الرغم من أن شريهان لم تفصح عن طبيعة الأزمة، لكن سرعان ما انتشرت الأخبار عن طبيعة مرضها، فقد اضطرت لإجراء جراحة استمرت 18 ساعة في الجانب الأيمن من وجهها، لاستئصال ورم سرطاني أصاب غددها اللعابية وهدد حياتها، لتمر بعدها برحلة علاج طويلة استمرت سنين طويلة، حتى عادت للظهور بعد سنوات من الغياب عام 2011، وسط المتظاهرين في ميدان التحرير أثناء ثورة 25 يناير.
قلب متعلق بالحياة
تملك شريهان نظرة مميزة كأنها علامتها المسجلة، تجدها في استعراضات الفوازير وعلى خشبة المسرح وفي السينما، نظرة تفيض بحب الحياة والتمسك بها، وما زالت تحتفظ بها حتى في إعلانها الأخير، حين تُغني "إحنا القلب اللي طاير متشعلق في الحياة".
فبعد كل ما تجاوزته من صعاب وفقد وألم ومرض، لا تزال تملك القلب المتمسك بالحياة والمقبل عليها، والروح القوية والمرحة التي رفرفت معها قلوب محبيها.