فوق حطام الحرب.. فنان فلسطيني يداوي جراح أطفال غزة بالموسيقى

الفن رسالة سلام ومحبة، ولغة يفهمها العالم.

"أماكن تضج بالألم، ما زالت رائحة دماء الأطفال تفوح في الأنحاء، دموع الأحباب لم تجف بعد، آثار الدمار توجع القلوب، وملامح الطفولة لقد كبرت قبل أوانها".

هذه هي حال أطفال غزة في بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة الذين فقدوا أشقاءهم وذويهم خلال الحرب على غزة، قلوبهم شاخت من الحزن، ولكن هناك مبادرات فردية لديها حس المسؤولية تجاههم تحاول أن تنقذهم من الحزن والذبول.

غزة/الجزيرة/ يحاول محمد التخفيف من ألم الأطفال - فنان الدرامز مع الأطفال
يحاول محمد التخفيف من ألم الأطفال (الجزيرة)

الموسيقى لغة السلام

محمد نبهان فنان موسيقي يعزف على آلة الدرامز (الطبول)، سلاحه الموسيقى، يؤمن بأنها غذاء الروح، ونغماتها قد تداوي جروحهم وتعيد الأمل لهم، يقول للجزيرة نت "بوصفي أبا عشت لحظات صعبة مع أطفالي خلال الحرب وشاهدت الرعب والخوف في عيونهم، استوقفني فيديو عائلة المصري لأيام عدة وانتظرت انتهاء الحرب لكي أتمكن من زيارتهم برفقة صديقتين، استمعت لقصصهم التي أوجعت قلبي وأزعجتني كثيرا، أخبرتهم بعملي وسعدوا به كثيرا، طلبت منهم أن يثقوا في لكي أجعلهم يتجاوزون اللحظات الصعبة التي عاشوها، ومن أول لقاء كان لي قبول بينهم، وعلاقة ألفة ومحبة نشأت بيننا".

ويواصل حديثه "أصطحب معي أعواد الدرامز وليس الجهاز بأكمله لأن صوته عال، واحتراما لحزن وعزاء هذه المنطقة المنكوبة لا يجوز العزف عليه، لهذا اقتصرت على تعليم الأطفال بهذه الأعواد، وأستعين ببعض الركام لكي يصدر أصواتا خفيفة تنعش روح الأطفال دون أن تؤذي مُصابهم".

إعلان

وتابع "تفاعل الأطفال معي كان واضحا من البداية، وينتظرون زيارتي بلهفة شديدة، شعرت بتحسن في نفسية الأطفال من خلال كلامهم وسلوكهم معي، صدمت كثيرا بما سمعته منهم، عاشوا تجربة تجاوزت أعمارهم بعشرات السنوات، وكان ذلك واضحا على ملامحهم وأجسادهم وتفكيرهم".

غزة/الجزيرة/ الأطفال يتعلمون مسك أعواد الدرامز
الأطفال يتعلمون الإمساك بأعواد آلة الدرامز الموسيقية (الجزيرة)

رسالته للعالم

الفن رسالة سلام ومحبة، ولغة يفهمها العالم، هذا ما جعل محمد يقوم بمبادرته الشخصية بكل قوة، طالبا من العالم أن يحقق السلام للفلسطينيين بسبب الضرر الكبير الذي تسببه الحرب لنفسية وأحلام المواطنين في غزة، وقال "نحن نبني أنفسنا بصعوبة ويأخذ منا ذلك وقتا وجهدا كبيرين، هذا أمر ليس بسيطا للأم والأب، كلما بدأنا نبني أنفسنا وأحلامنا وأفكارنا، تأتي حرب تهدم كل شيء".

شهود عيان

بتول المصري (15 عاما) في عيونها حزن كبير، هي شاهد عيان على ما أصاب عائلتها، احتضنت أختها الشهيدة رهف ولم تتركها رغم أنها كانت مصابة وتنزف دماؤها، تقول للجزيرة نت "قبيل الإفطار كنا نجلس جميعنا لنعمل في تعبئة التبن وأختي كانت تساعدني وجميع أفراد العائلة معنا، فجأة سمعنا قصفا وتصاعد دخان غطى المكان، شعرت بالألم في قدمي وقلت هذا القصف موجه لنا، رأيت إخواتي وأبناء عمي على الأرض أشلاء، وأخي التقط نفسه الأخير، أختي الصغيرة كانت تنظر إلي، احتضنتها بشدة ولم أتركها مطلقا، ذهبت وقدماي تنزف لأستغيث بالجيران، ومن ثم فقدت الوعي ودخلت لغرفة العمليات والتقيت بهم أثناء زيارتي لقبورهم".

تجربة صعبة عاشتها بتول، ومشاهد مؤلمة يعتصر القلب حزنا عند سماعها منها بصوتها الذي يرتجف وكأنها تعيش الحادثة من جديد، تفاعلها مع محمد خلال اللعب كان ملفتا للأنظار وكأنها تحاول أن تنسى ما عاشته، تقول "سعدت كثيرا بمبادرة محمد لكي يساعدنا في تجاوز ما عشناه خلال الحرب، أشعر بأنني أفضل وبدأت بنسيان مشهد الحادثة، عندما تنتهي جلسته معنا أحاول أن أتذكر الأغاني والنغمات وأغنيها مع نفسي في البيت، يتجمع أطفال العائلة حول محمد وننتظره لكي يأتي إلى بيتنا، نشعر بأننا أفضل وسنتجاوز ما عشناه بمساعدة محمد".

غزة/الجزيرة/ الجزء المدمر من بيت الأطفال - فنان الدرامز مع الأطفال
يجلس الأطفال على الجزء المدمر من بيتهم (الجزيرة)

علاج نفسي

إعلان

هدى المصري (32 عاما) من بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة لديها 3 أطفال تغيّر سلوكهم بعد رؤيتهم مشهد ما وصفته بالإبادة الجماعية لعائلتهم خلال الحرب، عرضت هدى نفسها على طبيب نفسي بسبب حالة الخوف والهلع التي تصيبها وعدم التركيز في ما يحدث حولها.

تقول للجزيرة نت "جميعنا نحتاج إلى أطباء نفسيين لكي يتم علاجنا من مصائب الحرب التي أصابتنا، أطفالنا أصبحوا عنيفين بشكل كبير، ولديهم طاقة حركية هائلة لا نستطيع السيطرة عليها، بالإضافة إلى حالة الخوف من أي صوت بجانبهم، إذا قفل الباب بصوت عال يصرخون، وعند وقوع شيء على الأرض يهربون ليختبئوا في أي مكان معتقدين أنه صاروخ، حالة رعب ترافقهم طوال الوقت ولا يريدون الخروج للشارع كما كانوا بالسابق معتقدين أن إسرائيل تستهدف أي طفل بالشارع".

ترحيب كبير من عوائل الأطفال بمحمد وفكرته التي تحاول التخفيف عن أطفالهم لكي يعودوا إلى سلوكهم السابق، والتخلي عن سلوك العنف والخوف الذي بداخلهم، بعض الأطفال أصبحت شخصيتهم ضعيفة تميل إلى الوحدة والصراخ خلال الليل، لهذا تستقبل العائلات أي نشاط يعالجهم من ذلك.

هذا ما أكدت عليه هدى خلال حديثها قائلة "نحن من حقنا أن نعيش في أمان وسلام، نريد أن نبني مستقبل أطفالنا دون الخوف على حياتهم، أصبحنا نخاف أن ننجب أطفالا لكي لا نفقدهم في الحروب".

المصدر : مواقع إلكترونية

إعلان