بغداد بعيون المخابرات المصرية.. مسلسل "هجمة مرتدة" يثير جدلا في العراق
من أبرز مآخذ العراقيين على المسلسل أنه نقل صورة مغايرة لواقع البلد
أثار المسلسل المصري "هجمة مرتدة" ردود أفعال متباينة ينصب أغلبها ضد المعالجة الفنية فيما يتعلق بالشأن العراقي، حيث اعتبرها بعض المحللين إساءة بالغة للبلد، خاصة أن المسلسل صور بأماكن وبممثلين غير عراقيين، فيما رأى آخرون أن الطرح كان موضوعيا.
المسلسل يتناول أحد ملفات المخابرات المصرية وعلاقتها بكشف الخلايا المسلحة في العراق وكيفية تجنيدها منذ عام 2007، حيث يخوض البطل سيف (النجم أحمد عز) بطولات كبيرة وعمليات سرية لكشف خيوط تنظيم القاعدة قبل نقل عناصره إلى منطقة سيناء المصرية.
اقرأ أيضا
list of 3 itemsرحلة فنية ثرية عمرها نصف قرن.. الجزيرة نت تحاور فوزية الشندي أهم ممثلات الجيل الذهبي في العراق
"الباشا" سليمة مراد.. سيدة الغناء العراقي التي رفضت الهجرة إلى إسرائيل
المسلسل من تأليف باهر دويدار، وإخراج أحمد علاء الديب، وتمثيل أحمد عز وهند صبري وهشام سليم وماجدة زكي وغيرهم.
ومن أبرز مآخذ العراقيين على المسلسل أنه نقل صورة مغايرة لواقع البلد، وشبّه بغداد بكابل أو قندهار رغم أن المدينة لها شخصيتها الحادة والعصرية وفيها مبان وفنادق حديثة ومطار دولي وجامعات عريقة وغير ذلك، كما لا يمكن حدوث مطاردات فيها على النمط الهوليودي كما عرضها المسلسل لأنها مدينة مكتظة بالسيارات.
فعل المحاكاة
يرى الناقد الفني الدكتور عمار الياسرى أن البيئة هي الواقع الذي يغترف منه الفنان موضوعاته مهما كانت معالجاته، وتتكون من الأمكنة بكل تفصيلاتها والعادات والتقاليد، وأن أي معالجة خاطئة للبيئة قد تخلق فجوة بين الواقع والمعالجة، والنتيجة أنها تكسر التماهي الإقناعي بين العمل الفني والمتلقي.
ويبين الياسري أن أفلام حرب العراق الروائية مثل "المنطقة الخضراء"، و"خزانة الألم"، و"القناص" والمسلسلات العالمية والعربية مثل "هدوء نسبي" و"هجمة مرتدة" تمثل مشغلا دراميا للواقع العراقي ما بعد 2003 بكل حمولاته من احتلال وطائفية ومتغيرات سياسية، ولكن المتابع لهذه الأفلام والمسلسلات -ولا سيما مسلسل "هجمة مرتدة"- يجد أنها لم تحاكِ الواقع بشكل يحقق مآلات الدراما الحقيقية.
ويضيف أن المتلقي العراقي شعر بغربة مكانية بل هوياتية وهو يدقق إن كان الحدث المقدم عن العراق، حيث نلحظ أن الأمكنة لم تكن قريبة للواقع بل مصنوعة بشكل مشوه، وكذلك الأزياء إذ يجب أن تكون من رحم الواقع، والحال ذاته تحققه الإكسسوارات والمكياج والإضاءة والفضاءات، في حين تعد الشخصية هي العمود الفقري للعمل من خلال أدائها الجسدي واللفظي، وهذه العناصر البصرية لم تتحقق في هذا المسلسل الذي بدا مشوها.
ويخلص إلى القول إنه لا رصانة علمية ولا واقعية، وأيضا هناك غياب للدقة في محاكاة البيئة العراقية، فضلا عن الموضوع الذي قام عليه السيناريو، إذ بدا مبالغا فيه وغريبا عن واقعنا العراقي، مما يجعل المسلسل يفقد معالجته، والنتيجة أن عرى العلاقة بين المتلقي والعمل الفني تنفصم.
إساءة ونقل مخالف
أما المخرج المسرحي والناقد الفني مهدي هندو فاعتبر أن ما جاء في المسلسل محاولة لتبيان قوة الدولة المنتجة للعمل، وهو ما يعرف ضمن التوجه الوطني والاعتبار الفني وأهميته في تثوير الواقع، خاصة أنه يتناول جانبا مهما يدغدغ العواطف في زمن التكالب على الواقع العراقي.
وأشار هندو إلى أن المسلسل يذكرنا بمسلسل "رأفت الهجان"، حيث يتم عرض الروح الوطنية للمواطن المصري، ويشير إلى أن ما يؤخذ عليه ليس طريقة التمثيل أو الحوار أو القدرة الإنتاجية التي تتمتع بها الدراما المصرية، بل هو نقل الواقع العراقي بطريقة قد يكون معها نوع من الإساءة التي لا نريد الاعتقاد بأنها مقصودة في نقل الواقع، لأنه صور في أماكن أريد لها أن تكون مشابهة للبيئة العراقية فوقع بالمحظور، منها اختلاف الموقع والأزياء والشوارع والتضاريس وحتى العلامات المرورية.
بغداد وقندهار
بدوره، يرى الأديب حمودي الكناني أن الأمر لا يخلو من معرفة أن التاريخ الذي اعتمد عليه المسلسل في نقل الواقع -وهو ما مرتبط بالمكان البغدادي- لم يكن موفقا، وأنه استل من مصادر غير موثوقة أو أن جهة الإنتاج والإخراج استعانت بشخصيات لم تقرأ الواقع العراقي وبيئته البغدادية.
فضلا عن الرؤية المسبقة -يتابع الكناني- التي كانت تبثها القنوات الفضائية طوال الفترة الماضية التي صورت العراق وكأنه تحول إلى منطقة قتل وموت، وهنا وقع الخطأ الفني، علاوة على عقدة التاريخ والبطولة الفذة والجانب الوطني لجهة الإنتاج.
ويشير إلى أن الكثير من الأماكن التي أريد لها أن تكون عراقية لم تكن موفقة، وهو ما سبب إساءة إلى الواقع العراقي، وهو أمر غير مقبول في نقل صورة عن المرأة العراقية بطريقة وكأنها تعيش في قندهار، وأن المطاردات الاستخباراتية سهلة في شوارع بغداد، وأنه يمكن اختراق المنظومة العراقية، فضلا عن تشويه حقيقة أماكن بغداد.
ويستدرك الأديب الكناني أن هذا المسلسل أريد له أن يتحدث عن ملف الخلايا المسلحة وتوظيفها في العراق، وهو واضح من حلقاته المعروضة، لكنه جاء على حساب الواقع العراقي وصدق الانتماء مقابل ترجيح الكفة الأخرى التي هيمنت على هدف المسلسل في طرح نتاجه.
صراع المخابرات
في المقابل، يرى الناقد العراقي المعروف مهدي عباس أن الأعمال الدرامية المأخوذة من ملفات المخابرات المصرية امتازت بشيئين، الأول التعاطف الجماهيري الكبير، والآخر هو الإتقان الفني كما رأينا في "دموع في عيون وقحة"، و"ورأفت الهجان"، ومن هنا تأتي المتابعة الكبيرة والنجاح المدوي لمسلسل "هجمة مرتدة".
ويضيف أن العمل مأخوذ عن أحداث حقيقية وصرف عليه الكثير، وصور في أكثر من بلد، وفيه كل مقومات النجاح، بالإضافة إلى وجود نجم جماهيري بدور البطولة وهو أحمد عز.
ويلفت عباس الانتباه إلى أن مسلسل "هجمة مرتدة" هو عمل فني للتفاخر ببطولات المخابرات المصرية، ويعتقد أنه لا يسيء إلى العراق، فالكل يعرف أن العراق بعد الغزو الأميركي أصبح مسرحا للعديد من المخابرات العراقية والأجنبية.
ولفت إلى أن أصحاب العمل لم يصوروا المشاهد الخاصة بالعراق داخل البلد بسبب تخوفات أمنية، وقد صوروا في الأردن، وهذا يحدث في الكثير من الأعمال، فأكثر الأعمال العربية والأجنبية صورت في المغرب والأردن بديلا عن العراق.