معاناة الفلسطينيين أمام الحواجز.. رؤية فلسطينية واقعية تنافس على جوائز أوسكار

رغم نشأتها في بريطانيا، وصفت مخرجة الفيلم فرح نابلسي نفسها بأنها فلسطينية الدم والإرث

صالح بكري في دور "يوسف" الفلسطيني الذي يعاني على الحواجز العسكرية (الجزيرة)

ترتبط كلمة "هدية" بالفرح والمفاجأة والسرور، غير أن الهدية التي قدمها يوسف الفلسطيني لزوجته في فيلم "الهدية"، الذي أخرجته فرح نابلسي، كانت بطعم ما يعانيه الفلسطينيون يوميا في حياتهم على الحواجز العسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي.

وتبدأ أحداث الفيلم عندما قرر الفلسطيني "يوسف"، الذي مثّل دوره صالح بكري، أن يقدم هدية لزوجته عبارة عن ثلاجة كهربائية، وخرج من منزله في إحدى المناطق الفلسطينية مع طفلته ياسمين، التي مثلت دورها الطفلة "مريم كنغ"، ولكن حاجزا لجيش الاحتلال الإسرائيلي قريبا من المنزل عطل مشروع الأب وطفلته، وأظهر ما يعيشه الفلسطينيون واقعا يوميا، عندما خرج الاثنان في الصباح الباكر وعادا في المساء المتأخر وسط معاناة في خروجهم وعودتهم، ولم يعودا بالهدية كما يريدان.

وحصل الفيلم على 25 جائزة عالمية، ورُشح لجائزة "بافتا" البريطانية، وهو مرشح أيضا لجائزة "أوسكار"، وتم توزيعه لصالح "كنال بلس" (+ Canal) الفرنسية.

صورة للطفلة "مريم كنج" في دور الطفلة ياسمين ابنة "يوسف" وتظهر معاناتها مع والدها أثناء عبورهم الحاجز مع والدها لجلب هدية لوالدتها، ومن هذه الهدية اقتبس اسم الفلم.
مريم كنغ في دور الطفلة ياسمين ابنة "يوسف" وتظهر معاناتها مع والدها أثناء عبورهما الحاجز (الجزيرة)

السينما أقل وطأة من الواقع

وصفت مخرجة الفيلم فرح نابلسي نفسها بأنها فلسطينية الدم والإرث، ولكن ولادتها ونشأتها كانت في العاصمة البريطانية لندن، ففي زياراتها الكثيرة إلى فلسطين عاشت المعاناة على الحواجز، ولاحظت أدق التفاصيل وروايات لفلسطينيين عاشوا في أماكن محاصرة بهذه الحواجز، فكان كل ذلك مصدر إلهامها.

تقول نابلسي للجزيرة نت إن ما عرضته في فيلمها أقل وطأة بكثير مما يعانيه الفلسطينيون على الحواجز، ولكن هدفها أن تجعل الجمهور يتأمل القصة، ويأخذ وقتا للتفكير في مجموعة من الأسئلة، وأبرزها "كيف من الممكن أن تعيش حياة كيوسف وياسمين؟ وكيف تؤثر الحواجز على حياة مجتمع بأكمله بكل ما يعيشه من تفاصيل؟ وهل يقبل الجمهور أن يحدث معه ما حصل ليوسف وابنته؟

أرادت نابلسي من فيلمها أن يتضامن العالم مع الفلسطينيين وقضيتهم، وأن يغير الفيلم النظرة اللاإنسانية التي تلتصق بأذهان الغرب تجاههم، وهو ما يقوم به المستعمر دائما بإظهار أهل الأرض والشعب الأصلي بشكل بربري.

صورة تجمع يوسف وابنته مريم في فيلم "الهدية" الذي يظهر معاناة الفلسطينيين على الحواجز.
ما عُرض في الفيلم أقل وطأة بكثير مما يعانيه الفلسطينيون على الحواجز (الجزيرة)

حق الحركة بحرية

قدمت فرح نابلسي صورة صادقة عن الفلسطينيين، عن طريق قصة إنسانية وإنتاجها بجودة عالية وطريقة قصصية أنيقة وعمق حقيقي، لكي يتلقاها الجمهور بطريقة تدفعه للتضامن معهم، وتدفع الحكام لتقديم الفيلم للجوائز، والشعور بأنك تريد معرفة المزيد عن حياة الفلسطينيين.

تعتبر نابلسي أن سر عذوبة فيلمها هو إظهاره بصورة إنسانية وجودة عالية، وأن تكون القصة قادرة على التحدث لقلوب الجمهور وتحرك مشاعرهم، خاصة أن العالم اليوم يعيد العنصرية والتفرقة مرة أخرى، كما أنه يمر بجائحة كورونا، التي يعاني منها الناس من حرية الحركة، لذلك قام الفيلم بإخبار الجمهور بأن كل ما يحصل لك أثناء الجائحة -من تحديد للحركة- لا يُقارن بما يعيشه الفلسطينيون منذ عقود طويلة على الحواجز، وهو حقهم البسيط كأي إنسان في العالم؛ حرية الحركة.

صورة الممثل لصالح بكري في دور "يوسف" الفلسطيني الذي يعاني على الحواجز العسكرية.
سر عذوبة فيلم "الهدية" إظهاره بصورة إنسانية وجودة عالية (الجزيرة)

السينما تغير الواقع

أما بطل الفيلم صالح بكري فيرى أن "الهدية" يروي جانبا من جوانب المأساة الفلسطينية من خلال شخصية "يوسف"، ذلك العامل الفلسطيني العادي الذي يضطر يوميا لعبور الحاجز العسكري لتوفير رزق بيته كآلاف الفلسطينيين الآخرين.

وأضاف بكري للجزيرة نت أن "السينما لما لها من إمكانية الانتشار والتأثير فإنها تسهم فعليا في تغيير الواقع، فكما أن السينما الهابطة تنتج فكرا هابطا، فإن السينما الواعية تنتج وعيا، وهذا الوعي هو العدو الأخطر للأنظمة الفاسدة والقمعية".

وينهي بكري حديثه بالقول إن هوس الرقابة تجاه السينما ومنع الأفلام التي تلقي الضوء على ما تريده الأنظمة مخفيا ليس صدفة، كما فعلت إسرائيل مع فيلم "جنين جنين" الذي أخرجه والده محمد بكري، وجعلته ملاحقا قانونيا 19 عاما، وفيه روى معاناة مخيم جنين (شمال الضفة الغربية المحتلة) إبان الاجتياح الإسرائيلي للضفة الغربية إبان الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2002.

المصدر : الجزيرة