أزمات "بنات عبد الرحمن".. سينما القضايا النسوية من دون تحيزات
التباين في النماذج النسائية الأربعة بين حياة التشدد والتحرر، لم يمنع الأزمات التي تعاني منها المرأة ونظرة المجتمع لها.
4 قصص و4 نساء، لكل واحدة منهن قصة بقضية مختلفة، فعلى الرغم من أنهن شقيقات، فإن كل واحدة منهن تعاني من نظرة المجتمع لها، والمشاكل التي تواجه المرأة في الوطن العربي.
كل قصة في فيلم "بنات عبد الرحمن" تصلح أن تكون عملاً سينمائيا منفصلا، إلا أن المخرج زيد أبو حمدان، الذي يقدم تجربته الأولى في أول عمل روائي طويل له مخرجا، استطاع أن يدمج القصص الأربع في فيلمه الذي حصل على إشادات واسعة بعد عرضه مؤخرا ضمن فعاليات الدورة الأولى لمهرجان البحر الأحمر السينمائي في المملكة العربية السعودية، وذلك بعد أيام من فوزه بجائزة الجمهور، التي تحمل اسم الناقد السينمائي الراحل "يوسف شريف رزق الله" في الدورة الـ43 لمهرجان القاهرة السينمائي.
اقرأ أيضا
list of 3 itemsقضايا الواقع الاجتماعي في مهرجان الفيلم القصير بالجزائر
وعود أردنية بوقف تداوله.. رفض فلسطيني لفيلم “أميرة” الذي يتناول قضية أطفال النطف للأسرى
نماذج نسائية مختلفة بقضية واحدة
اختار المخرج في حكايات بطلاته الأربع الاختلاف التام، هذا الاختلاف جعل العلاقة بين الشقيقات الأربع مضطربة، فلكل منهن تفاصيل حياتية وطباع متناقضة، فيبدو الأمر وكأن صلة الدم هي التي تجمع بينهن فقط.
اهتم المخرج بإبراز حالة التناقض بينهن، فزينب -التي تقوم بدورها الممثلة فرح بسيسو- هي الفتاة المحجبة التي تخلت عن أحلامها في الموسيقى والزواج أيضا، واكتفت بالعمل في الخياطة من أجل أن تتكفل برعاية والدها المسن، فتتحمل العبء المادي والحرمان، بينما تعتبرها نساء الحارة التي يعشن بها "عانسا".
أما آمال (صبا مبارك) فتعيش حياة جافة مع زوج يمارس عليها العنف الجسدي والمعنوي، ويقهرها بالرغبة في تزويج ابنتها التي لم تكمل 15 عاما، فتجد نفسها أمام مواجهة ما إذا كانت ابنتها ستعيش المصير نفسه.
وحتى سماح (حنان الحلو) المتحررة تقوم بعمليات تجميلية من أجل زوجها الرجل الثري الذي لا يهتم بها أو بتفاصيل حياتها، فتعيش حياة من الشك إن كان لديه علاقات نسائية أخرى، حتى تكتشف أسرارا مشينة في حياته، فتبدأ في التخلي عن الحياة الاصطناعية التي تعيشها.
النموذج النسائي الرابع هو ختام التي تقوم بدورها مريم الباشا، وهي الفتاة المتمردة التي قررت أن تعيش حياة لا تتوافق مع معايير المجتمع، وهو ما جعل أفراد أسرتها يعانون النظرة المتدنية لهم بسببها، خاصة الأب الذي قاطعه شقيقه.
التباين في النماذج النسائية الأربعة بين حياة التشدد والتحرر لم يمنع الأزمات التي تعاني منها المرأة، ونظرة المجتمع لها، والواقع الذي تعيشه.
المباشرة الإيجابية
استخدم صناع الفيلم اللغة السينمائية المباشرة لإيصال الفكرة، إلا أنها مباشرة إيجابية تنسجم مع فكرة الفيلم، فلم يتحوّل الأمر إلى مونولوغات خطابية، إذ اعتمد المخرج في إدارته للممثلات على تقديم الشخصيات في مسار هادئ، بجانب الاهتمام بالتفاصيل الخاصة بالشخصيات، التي ساعدت أيضا في توصيل الحالة بداخل المشاهد.
كما استطاع المخرج أيضا أن يوظف كل بطلة في الشخصية الأنسب لها، حين اختار فرح بسيسو في شخصية زينب، وصبا مبارك في شخصية آمال، وحنان الحلو ومريم الباشا، حيث استطاعت كل منهن أن تقدم أفضل ما لديها لإثراء الشخصية.
فالشخصيات الأربع متوازنة في السيناريو، حيث لم تطغ قصة على أخرى، وهو أيضا ما يؤكد على تفوق عنصر المونتاج في الفيلم.
كوميديا وسط المأساة
في حين يعرض "بنات عبد الرحمن" مشكلات واقعية إلى حد كبير للمرأة في المجتمع العربي، بجانب تعرضها للتحرش والقمع والإهمال والحرمان، لكن وجود بعض المشاهد الكوميدية في السيناريو كسر تلك الحالة المأساوية التي تتعرض لها البطلات، فلم يبالغ في المأساة، بجانب انتصاره للمرأة في نهاية الفيلم حين تتحرر الشقيقات الأربع من أزماتهن ويواجهن المجتمع بقوة.
التوازن
انتصار الفيلم للمرأة وإعادته القضية النسائية سينمائيا لم يجعلا المخرج يتحامل على الرجل الشرقي، فقد نجح في أن يخلق حالة من التوزان أيضا، إذ قدم نماذج سوية مثل الأب، وهو رجل صالح وسوي، حتى أخطاءه التي ارتكبها كانت بدافع الحب والخوف على بناته، وأيضا صديق الابنة الصغرى الذي يرغب في الزواج منها، ولم ينظر لها نظرة سيئة، والصبي الذي يعمل في المكتبة ويساعد الابنة الكبرى زينب، إذ لم ينجرف المخرج في تيار المحاكمات التي تقدم جناة وضحايا أو ملائكة وشياطين كما جرت العادة في تناول مثل تلك القضايا.
دعم مؤسسة الدوحة
استغرق التحضير لفيلم "بنات عبد الرحمن" 7 سنوات، وحصل على منحة مؤسسة الدوحة للأفلام لمرحلة التطوير، ومنحة صندوق الأردن لدعم الأفلام التابع للهيئة الملكية الأردنية للأفلام بمرحلتي التطوير والإنتاج، كما حصل على منحة منصة سيني جونة من مهرجان الجونة السينمائي، ووصل إلى المرحلة النهائية في منصة الترويج بمهرجان تريبيكا السينمائي. كما شارك في معمل راوي لكتاب السيناريو بالهيئة الملكية الأردنية للأفلام.