عبد الله ذو الفقار.. ثمار رحلة مصورة دامت 7 سنوات في كتاب "الصحراء الجنة"
"الصحراء الجنة" -أو (SAHARA PARAISO) بالإسبانية- عنوان يحيل إلى كتاب ألبوم صور للفنان الفوتوغرافي المغربي عبد الله ذو الفقار، صدر حديثا بإسبانيا، وقريبا يتوافر في المكتبات المغربية باللغتين العربية والفرنسية.
وبمناسبة الإصدار، نظم المركز الرئيسي "لأتينيو" بمدريد (مؤسسة ثقافية عريقة أسست سنة 1870) حفلا لتوقيع الكتاب، حضره العديد من المثقفين والفنانين والإعلاميين، كما تم الاحتفاء به أخيرا ضمن فعاليات مهرجان المنستير بإقليم الأندلس الذي يهتم بالتراث والثقافة الإسلامية بشبه الجزيرة الأيبيرية.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsفصل الخريف في سلطنة عمان يشجع هواة التصوير بالطائرات المسيرة
وادي لوتش في تركيا.. ألوان الخريف ونهر "دوراكاني" التركوازي يشكلان لوحات خلابة لعشاق التصوير
صورة تذكارية مع الفقيد.. أسرار ظاهرة التصوير مع الموتى
يتشكل الكتاب من 160 صفحة، تتوزع عليها 112 صورة، جلها من الحجم الكبير، فضلا عن نصوص قصيرة باللغة الإسبانية، موزعة حسب ثيمات الصور التي انتقاها الفنان من كم هائل، التقطته عدسته خلال رحلات متقطعة امتدت على مدار 7 سنوات، قادته إلى فضاء الصحراء الفسيحة عبر مسارات متعددة المسالك.
وتمتد الرحلة من واحات الجنوب الشرقي المغربي الموجودة بتافيلالت وورززات ثم جهة كلميم وطانطان مرورا بإفني وطرفاية في اتجاه الجنوب الغربي، وأسفرت عملية الانتقاء عن تنظيم معرضه الأول الذي أقامه بمتحف هويلفا بإقليم الأندلس في أكتوبر/تشرين الأول 2019، ثم جمعها بين ضفتي كتاب.
الفكرة من الولادة إلى النمو
نادرون هم الفوتوغرافيون عبر العالم الذين يستطيعون قطع صلتهم بنظام الطلب، والبحث عن عوائد، وعبد الله ذو الفقار واحد ممن يشتغلون خارج هذا النظام وقواعده، ففي حديث للجزيرة نت يشير إلى أن "فكرة المشروع تبلورت لديه من خلال رحلة استكشاف وولع ذاتي مع فنانين إسبانيين، بعدما قرروا اتخاذ المغرب وجهة لهم، تحت عنوان "رؤى متقاطعة"، وتعني حسب عبد الله اشتغالهم على عدة فضاءات مغربية، كل من زاويته الفنية. هذه الرحلة جعلت ذو الفقار يستكشف تخوم الصحراء، وتحديدا واحة تغجيجت التاريخية بالقرب من مدينة كلميم، التي أسرته كما جاء على لسانه.
ويرى أن الرحلة الأولى مع أصدقائه الإسبان لم تكن لتشبع شغفه، فقرر معاودة رحلات متعددة المسارات، فمن يريد غلته عليه أن يتجسم في سبيل ذلك عناء ارتياد المراتع، كما يقول رحّل الصحراء، تبعا لعبد الله الذي يستحضر أيضا في السياق ذاته مقولة لأنطوان سانت إكزبيري على لسان الأمير الصغير "إن ما يزين الصحراء أنها تخفي بئرا في مكان ما"، لكن بالنسبة إليه فإنه وجد أن ما يزين الصحراء جنة على أرضها.
ويحكي أنه صادف على بعد كيلومترات من مدينة طانطان ضيعة من أشجار الموز، وواحات نخيل على طول وادي درعة تقتات من ينابيع وآبار، كما يشير إلى واحات تعود إلى ما قبل التاريخ تمتد على تخوم جهة تافيلالت، وغير بعيد عن هذه الواحات تم غرس نحو 10 ملايين شجرة نخيل، تلطف الجو وتحارب التصحر وتنتج ملك التمور.
وحسب قوله، فإن هذه التحولات السريعة والمتعددة بقدر ما شدت انتباهه وشكلت جزءا من منجزه الفني، فإنها لم تنسيه التقاط الشواهد الدالة على العمق الحضاري للصحراء، من مدن قديمة بجنوب وادي درعة انطمست تحت الرمال، جعلته يلمس عن كثب أن هذه الأرض أنجبت حضارات غابرة، وأن تربتها كانت خصبة كما تشير إلى ذلك أوديتها العميقة، وما تعكسه من رموز المواقع الأثرية للنقوش الصخرية الممتدة من نواحي أوسرد إلى تافيلالت مرورا بالسمارة أرض الصلحاء وجهة كلميم، صحراء تخفي من الكنوز ما لا نتوقع من الصفاء والجمال، على حد تعبيره.
ويستحضر أيضا بحيرة النعيلة بالمنتزه الوطني التي تتخذ شكل دراع بحري، المتميزة بتنوعها البيولوجي وغناها الطبيعي الذي يجعلها تستقبل سنويا 25 ألف طائر تنتمي إلى 211 صنفا، تتوافد على المنطقة من مواطن مختلفة، مضيفا أن مختلف هذه العناصر حاول توثيقها، بما فيها المناظر الطبيعية التي تنضح بالشاعرية كالكثبان الرملية والامتدادات الجبلية برسومها التي نحتتها الرياح.
رسالة إنسانية
وعن رسالة المشروع، يؤكد عبد الله أن الفن وجد نفسه في حاجة كبيرة إلى الصورة الفوتوغرافية حتى لا ينفصل عن الحياة، القبض على الزمن، المنفلت، المختلف، المتغير، الصغير والمركب. "أنا أصف، أعبر بكل حرية حتى ولو كان عملي يندرج في إطار الربورتاج. لقد أنجزت عملا وعرضت ما يهمني ولم أقل امنحوني الإمكانات لأنجز كتابا، لقد أنجزته بدافع وطني ليس إلا".
ويشير عبد الله إلى ما علق في ذهنه من صور نمطية لبعض الفنانين الإسبان كان يسترجعها بين فينة وأخرى وهو يطوف المجال الصحراوي، فوجد أنها في الأغلب تظل مشبعة بالنظرة الاستعلائية، فهي تركز تبعا له على العجيب والغريب، وعلى معالم تبدو كأنها بعيدة كل البعد عن الحضارة، فلا شيء بالنسبة لهم غير الخلاء.
ويستمر قائلا "ما أستغرب إليه في المنجز الفني لطائفة من الفنانين الإسبان حول الصحراء أنهم لا يأبهون بالتحولات السريعة والمتعددة التي عرفتها المنطقة، وما يشبع فضولهم هو مناظر الكثبان الرملية، واقتناص ملامح الناس الفيزيولوجية التي تعلوها شدة انكماش للتجاعيد وغيره". وهكذا بالنسبة إليه، يتشكل لدى هؤلاء الفنانين الآخر من منظور الذات الراصدة للطبائع والعادات واللباس، وهي غالبا تنهل من تصور كولونيالي استعماري، أكثر منه شغفا فنيا بالصحراء كما جسده بعض الفنانين التشكيليين العالميين، ممن رسموا الصحراء بكثير من العشق، مذكرا في السياق ذاته بالفرنسي نصر الدين دينيه، ومواطنه جاك ماجوريل والفرنسي الآخر غاستون مونتيل، فضلا عن البرتغالية إيزابيت فياديرو، وآخرون كأمبرين ديرشمون والباحثة المتفردة أوديت دي بيكدو.
وختم حديثه بمقولة أحبَّ أن يتقاسمها مع القراء للراحل محمد القاسمي التشكيلي المغربي "ينبغي التمييز بين الصحراء والخلاء، لأن الأخير يعني الفراغ والصحراء ليست مكانا خاليا، إنها مكان ممتلئ بتاريخه وثقافته وحيواناته وحشراته وواحاته. ولها جغرافيتها ومسالكها الخاصة. الخلاء أقل حياة من الصحراء، لأن الخلاء لا يوجد فيه أثر. هو محو أنك تواجه اللاشيء، ليس هناك ما يقودك".