رحلة امتدت أكثر من 70 عاما.. لطيف العاني المصور الذي وثق حياة العراقيين
مؤسسة الأمير كلاوس الهولندية كرمت لطيف العاني ومنحته جائزة لإنشائه أرشيفا يحتوي على الصور الفريدة لمختلف جوانب الحياة في العراق.
بغداد- كرّمته مؤسّسة الأمير كلاوس الهولندية لإنجازه أوّل أرشيفٍ لمختلف جوانب الحياة في العراق، ولدوره الكبير في تطوير فن التصوير الفوتوغرافي الوثائقي في البلد.
إنه المصور الفوتوغرافي العراقي لطيف العاني الذي توفي الخميس الماضي 18 نوفمبر/تشرين الثاني عن عمر ناهز 90 عاما، بعد رحلةٍ في مجال التصوير امتدّت لأكثر من 70 عاما، وثّق فيها كلّ مناحي العراق الحديث.
اقرأ أيضا
list of 2 itemsمناعته حيّرت الأطباء.. شاهد: هكذا يصطاد رجل عراقي الأفاعي السامة
ويعد العاني من طليعة المصوّرين إلى جانب مراد الداغستاني وإمري سليم وناظم رمزي، وقد تعرّض أرشيفه الذي كان محفوظًا في وزارة الثقافة العراقية بعيد الغزو الأميركي في 2003 للنهب والسرقة والتدمير.
مسيرة حافلة
ولد لطيف العاني في كربلاء عام 1932، وتوفي والده عندما كان صغير السن. بداياته مع التصوير الفوتوغرافي كانت عندما كان يساعد شقيقه الذي يملك محلا في شارع المتنبي ببغداد، وهناك تعلم المبادئ الأساسية للتصوير من صاحب محل تصوير اسمه نيسان، وفي عام 1947 اشترى له شقيقه أوّل كاميرا من نوع "كوداك".
عرض الراحل أعماله ضمن الجناح العراقي في "بينالي فينسيا السادس والخمسين"، وحصل على جائزة "الأمير كلاوس" التي قالت في بيان تحكيمها إن "تكريم لطيف العاني يرجع إلى إبداعه، وإنشائه أرشيفا استثنائيا من صور فوتوغرافية تاريخية فريدة للمجتمع العراقي، وأن أعماله توثّق تاريخ العراق، بلدا حديثا، ثريا وساعيا إلى المستقبل، قبل أن يحل عليه الخراب بسبب الحروب، كما أن تكريمه يرجع إلى دوره الريادي في تطوير الفوتوغرافيا التوثيقية في العراق".
عاصر العاني ملوكا ورؤساء حكموا العراق، وتعتبر أعماله الفوتوغرافية بمثابة ذكرى لكل الفترات الحديثة والقديمة من تاريخ العراق. وكانت أولى خطواته مع التصوير المحترف حين عمل مع مجلة "أهل النفط" عام 1954 ولغاية عام 1960، وكانت جزءًا من وحدة التصوير الفوتوغرافي في شركة نفط العراق، وكان مكلفا بالتقاط صور لمظاهر الحداثة والتحوّل الصناعي في البلاد، مما جعله يجوب أنحاءها.
وقد خصصت له الشركة مروحية ليكون أول مصور من الجو يلتقط صورا للمواقع الأثرية في بغداد. وكانت أعماله تعرض في أميركا وأوروبا وفي أنحاء الشرق الأوسط منذ ستينيات القرن الماضي التي شهدت تصارع القوى المتنافسة على السلطة في العراق.
يقول الناقد الفوتوغرافي وابن مدينته وأحد تلامذته الفنان الدكتور خليل الطيار إن الراحل "أحد ركائز تأسيسات الفوتوغرافيا العراقية بطبيعتها الجمالية وخروجها عن الأساليب التقليدية في إنتاج الصورة الفوتوغرافية"، ويعدّه من "الرعيل الأول المتشكّل من مراد الداغستاني وناظم رمزي وإمري سليم وكوفاديس وإرشاك وحازم باك، وبعض من معاصريهم المبدعين أمثال فؤاد شاكر وعبد علي مناحي وجاسم الزبيدي وعادل قاسم وآخرين".
ويرى أن" هؤلاء عملوا على تحديث نمط التعاطي مع مفردات الواقع بعيدا عن التوثيق والتبليغ، وقدّموا صورةً تمتلك خطابها الجمالي، لينجحوا في تجليس الصورة ضمن أجناس السرديات الفنية والأدبية".
وعما تمتاز به تجربة الراحل، يقول الطيار "اهتمامه الدقيق في عملية توثيق معالم العراق ونشاط إنسانه بأسلوبٍ جمالي حافظ فيه على المزاوجة بين روح الواقعيات المكانية التي يصوّرها وبين إضفاء الطابع الفني على مواضيع صوره، مما ترك أثرًا جماليًا استقطب جمهورًا واسعًا ومتنوعًا محليًا وعالميا".
ويعتقد الطيار أن اشتغاله الحرفي والجمالي ترك له هامشًا جماليًا انتمى فيه إلى الأثر الإنساني العابر للحدود، ويرى أنه "أوّل من صعد بالكاميرا إلى الجو ليصوّر من زوايا صعبة وواسعة، قدّم فيها منجزًا ضخمًا لمعالم المدن العراقية ومسحا أرشيفيا للآثار والمعالم والمناطق النائية البعيدة وغير المرئية لعيون المشاهدين".
ويأتي هذا -بتقدير الطيار- كونه يحسن التعامل "مع التصوير الأحادي، كون تجربته اقتصرت على التصوير بالأسود والأبيض، وحافظ فيها على أسلوبٍ ونكهةٍ خاصة".
ويعرب عن أسفه لما تعرّض له أرشيفه من سرقة وضياع، ومنه "آلاف الصور وأفلام النيغاتيف وكذلك آلاف من صور أماكن تاريخية ومدن، وصور شخصيات عامة وناس، وصور من الحياة اليومية للإنسان العراقي، وصور فنية لكل العراق".
واعتبر أن هذا الأرشيف يعد واحدا "من كنوز العراق الثقافية والحضارية التي لا يمكن تعويضها، لأن المتغيّرات صارت كبيرة في الأماكن والشخصيات".
باريس تعرض أعماله
وفي 2 ديسمبر/كانون الأوّل 2015، كرّمت مؤسسة الأمير كلاوس الهولندية لطيف العاني و10 فنانين آخرين، ومنحته جائزة لإنشائه أرشيفا يحتوي على الصور الفريدة لمختلف جوانب الحياة في العراق، ولدوره الكبير في تطوير فن التصوير الفوتوغرافي الوثائقي في العراق.
ويقول رئيس تحرير صحيفة "عرب فوتو" الدكتور صلاح حيدر إن "الراحل كان يعد سفيرا للصورة العراقية، وبرحيله تفقد الحركة الفوتوغرافية العراقية والعربية أحد روّادها وشيخا من شيوخها البارزين والمتميّزين الذين أفنوا شبابهم وحياتهم في تصوير وتوثيق الحياة العراقية بكل تفاصيلها وفي كافة المجالات".
يؤكد حيدر أن رحيله كان "صامتا تاركا وراءه إرثا كبيرا وسيرة ذاتية ثرّة، تستحق الاقتداء بها من قبل المصورين الشباب"، ولفت إلى أن العاني كان يعشق الكاميرا، لذا كانت لا تفارقه من أجل توثيق كل مناحي الحياة العراقية من الشمال إلى الجنوب قبل أن يتحول الفوتوغراف للتقنية الرقمية وبرامج تحريرها".
وعن قدرته التصويرية، يقول الدكتور حيدر إنه كان يلتقط "صورا نقية بجودة عالية ومتميزة تضاهي الصور الرقمية اليوم"، وبهذه الخاصية فإنه سحر "المهتمين بعالم الصورة من مؤرّخين وباحثين ومتخصصين".
يتحدث حيدر عن الصور التي التقطها العاني، فيقول إنها "تتسم بالبلاغة وألوان موضوعاته تشع رغم تصويرها بالأبيض والأسود، وتشدّ المتلقّي لها".
ويشير إلى أن الراحل بصوره أسّس "أسلوبه الخاص في التصوير الذي يتسم بالبساطة رغم تميزه بقواعد التصوير الناجح"، ولهذا "حجزت صوره مكانا مرموقا في المتاحف العالمية المتخصصة بالتصوير في عدد من الدول، وأصبح اسمه مرتبطا بتاريخ العراق الحديث".
ويصف الدكتور حيدر المصور الراحل بكونه "أستاذا له مكانة مرموقة بين أقرانه، وتتلمذ على يديه الكثير من المصورين، وقدّم لهم كل ما يمتلك من معلومات عن فن التصوير، منذ تأسيسه قسم التصوير في وزارة الإرشاد وفي وكالة الأنباء العراقية التي ساهم بتأسيسها وما بعدها".
وعن آخر نشاطات الراحل، يذكر أنه عرض صوره بجناح كامل في معرض "باريس فوتو"، وهو أكبر معرض متخصص بالتصوير افتتح هذا الشهر، مضيفا أنه "أنجز فيلما عن حياته من قبل القائمين على المعرض، وشاءت الأقدار ألا يكون حاضرا".