فقراء ومتخلفون.. حيلة التصوير التي استخدمتها هوليود لتشويه الثقافات الأخرى
في كتاب "الاستشراق" (Orientalism) للأميركي الفلسطيني إدوارد سعيد عام 1978 يصف الكاتب كيف تبالغ أميركا والبلاد الأوروبية في تشويه الثقافات المختلفة عنها كما في حالة تصوير البلاد العربية بأنها غير حضارية وخطيرة.
هذه الوسائل ما زالت سائدة حتى يومنا هذا، في الكتب والأخبار والأفلام الأميركية، فتظهر المكسيك بأنها مكان قميء مليء بالمخدرات والجريمة والعنف، والبلاد العربية صحراء وعواصف ترابية وجمال، والهند مكان متسخ ومزدحم طوال الوقت، وثقافة الشعب بدائية.
This is a fact😂 pic.twitter.com/4PZffbLzck
— Joker. (@farouckbello) January 20, 2020
ويقول سعيد إن خلق "الآخر" الخطير والغامض يساعد على ضمان استقرار وتفوق الذات الغربية، لتأكيد أنهم فقط أصحاب الحضارة وباقي البلاد ما زالت بدائية، وقد شهدنا استخدام هذه المؤثرات في أغلب أفلام هوليود، حتى يمكنك تمييز في أي بلد تدور الأحداث من لون الصورة، والأمثلة كثيرة، ومنها الأفلام التالية:
"سبيكتر" (Spectre)
في المشهد الافتتاحي لفيلم "سبيكتر" (Spectre) -وهو أحد أفلام سلسلة جيمس بوند الذي أنتج عام 2015، والذي تدور أحداثه في المكسيك- تظهر الصور بفلتر أصفر يجعل الصورة باهته وغير نقية.
"إكستراكشن" (Extraction)
عرضت شبكة نتفليكس في أبريل/نيسان الماضي فيلما جديدا بعنوان "استخلاص" (Extraction)، من بطولة كريس هيمسورث، وتدور أحداثه في بنغلاديش.
ونشرت نتفليكس الفيديو الترويجي لبعض اللقطات خلال تصوير الفيلم، وكيف تم تدريب الممثلين بشكل مكثف لتظهر جميع المشاهد حقيقية والتقنيات المستخدمة في التصوير وغيرها، لكن كل هذه الحقائق المذهلة لم تمنع ملاحظة أن المشاهد المصورة ظهرت طبيعية بألوان زاهية كالتي نراها في جميع الأفلام، إلا أن النسخة النهائية للفيلم ظهرت بفلتر اللون الأصفر.
🏃🏻♂️🏃🏻♂️🏃🏻♂️🏃🏻♂️🏃🏻♂️🏃🏻♂️🏃🏻♂️🏃🏻♂️🏃🏻♂️🏃🏻♂️🏃🏻♂️🏃🏻♂️🏃🏻♂️🏃🏻♂️🏃🏻♂️🏃🏻♂️🏃🏻♂️Chris Hemsworth 🚙🚗🚙🚗🚙🚗🚙🚗🚙🚗🚙🚗🚙🚗🚙🚗🚙 EXTRACTION 🧨💥🧨💥🧨💥🧨💥🧨💥🧨💥 on Netflix 24 April🧨💥 pic.twitter.com/TqrS62ZHkK
— NetflixFilm (@NetflixFilm) April 20, 2020
"المرور" (Traffic)
فيلم "المرور" (Traffic) عام 2000، من إخراج ستيفن سودربرغ، تدور أحداث الفيلم حول تجارة المخدرات في المكسيك، وخلال أحد مشاهد الإعدام في الصحراء يظهر المشهد باستخدام الفلتر الأصفر، فيما تظهر مشاهد لمايكل دوغلاس -الذي يلعب دور قاض من أوهايو- باللون الأزرق والألوان الأقرب للحقيقة.
تأثير الفلتر الأصفر
يستخدم الفلتر الأصفر غالبا في الأفلام التي تجري أحداثها في الهند أو المكسيك أو جنوب شرق آسيا والبلاد العربية، ويعبر عن المناخات الدافئة والاستوائية والجافة، ليعطي إحساسا بأن الهواء ساخن ومغبر، ويجعل المشهد يبدو بصورة ضبابية وكأنه متسخ وقاتم، بعكس الحقيقة التي تمتلئ بالحيوية، وقد يستخدم أيضا للإشارة إلى أحداث قديمة أو منذ سنوات قريبة.
كيف تصبح مخرج هوليوودي ١٠١ pic.twitter.com/Q1h2eP8Tf8
— 🄷🄰🄽🅈 (@AhmadMHany) May 28, 2020
ويتعمد صانعو الأفلام استخدام هذا الفلتر في البلاد التي يعتبرونها خطيرة أو حتى بدائية وقبيحة، فنجد أن هذه البلدان مليئة بالمناظر الطبيعية والألوان الخلابة، ولكن تظهرها أفلام هوليود فقط بمشاهد العنف والفقر وبألوان باهتة، فتصبح السماء ترابا، والبحر كأنه مليء بالطين.
ويتحول استخدام هذه الفلاتر إلى صور نمطية عن هذه البلدان، ويرسخ في ذهن المشاهدين أن هذه الحقيقة هي بسبب انتشار وشعبية الأفلام الأميركية، فيعكس صورة خاطئة عن الأماكن والأشخاص الذين يعيشون فيها، ويرسخ للعنصرية.
لكن في حالة تصوير الأفلام في أحد البلاد الغربية يتم استخدام فلاتر بدرجات ألوان خضراء وزرقاء لتعبر عن الازدهار والحيوية، وإذا شاهدنا هذه البلاد النامية التي تصورها هوليود باللون الأصفر فسنجد أن الحياة ليست ضبابية كما تصورها الأفلام، ولكن السماء زرقاء والهواء ليس متربا كما تصوره هوليود.
وتنشر هذه الفلاتر أفكارا نمطية سلبية عن هذه البلدان ومن يعيشون فيها، وتعزز فكرة الرجل الأبيض الأميركي المنقذ الذي يظهر وسط هذه الصورة الضبابية ليخوض حربا مع العصابات وتجار المخدرات والقرى الفقيرة، وبالطبع هو البطل والمنقذ.
وطالما كانت الأفلام الأميركية هي الأوسع فإن انتشار مثل هذه الأفكار يستمر حتى يتمكن الآخرون من إنتاج أعمال قوية تظهر حقيقة حضارتها كالذي نراه الآن في أفلام بوليود التي هزمت الصورة النمطية عن تفاهة وانعدام أفكار الأفلام الهندية، وباتت تنتج الآن أفلاما تحصد الجوائز العالمية.
كما تمكن صناع فيلم "طفيلي" (Parasite) من دخول السينما الكورية للعالمية والفوز بجوائز، منها الأوسكار والغولدن غلوب، متفوقا على الأفلام الأميركية، ليصدر صورة واقعية عن كوريا الجنوبية وما فيها من حضارة ومشاكل، بعيدا عن نمط الأفلام الأميركية.