"ليالينا 80".. خيبة الأمل الكبرى في رمضان 2020

مسلسل ليالينا ٨٠ (مواقع التواصل)
أزمة مسلسل "ليالينا 80" لا تتمثل فقط في غياب المضمون، وإنما أيضا في ابتزاز مشاعر الجمهور بالميلودراما (مواقع التواصل)

لمياء رأفت

ربما لم يحظ أي من مسلسلات رمضان 2020 بتوقعات عالية كما حصل مع مسلسل "ليالينا 80″، فقد لفت الانتباه بطاقم ممثليه المميز الذي ضم إياد نصار وخالد الصاوي وهما من أكثر ممثلي جيلهما موهبة، بالإضافة إلى الفترة الزمنية التي يتناولها -الثمانينيات كما يظهر من عنوانه- وهي حقبة زمنية غنية للغاية بالأحداث في العالم العربي.

وجاء الملصق الدعائي الخاص بالمسلسل على طريقة أفيشات الأفلام القديمة، ليبدو كما لو أنه مرسوم باليد، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، ليصبح المسلسل خيبة الأمل الكبرى في هذا الموسم.

روح الثمانينيات
يدور مسلسل "ليالينا 80" حول عائلتين: عائلة هشام (إياد نصار) وعائلة رقية (صابرين)، ونتيجة لحادث سيارة تفقد ابنة الأول بصرها، بينما يفقد ابن الثانية ساقه، وتتغير مصائر أفراد الأسرتين، ويتعرف المشاهد على صراعاتهم مع الحياة في ظل الأزمة التي تعصف بهم جميعا.

وينتمي المسلسل إلى الدراما التاريخية، وهي أحد الأنواع الدرامية التي تدور أحداثها في أزمنة ماضية، وواحدة من أهم خصائص هذا النوع هي الاهتمام بالشكل العام للعمل، من ديكورات وأزياء وتصفيفات شعر ومكياج وإضاءة وتصوير.

والهدف من هذا الاهتمام هو محاولة نقل روح وشكل العصر الذي تتناوله الأحداث بصورة دقيقة، مع الالتزام كذلك بالدقة التاريخية في بعض النواحي المهمة، مثل شكل العمارة في هذه المرحلة، والأحداث التي وقعت، وردود الأفعال الشعبية عليها.

ولكن الدراما التاريخية ليست فقط شكلا يوحي بالقدم، وملابس تنتمي إلى عصر آخر، فهذه -كما يطلق عليها في لغة السينما- "إكسسوارات" ضرورية لتقديم المضمون الذي يرغب فيه صناع العمل.

و"ليالينا 80″ كأي دراما تاريخية، يجب أن يتضمن عدة أهداف منطقية، أولها حث المشاهد على عقد المقارنة بين الفترة التي تدور بها الأحداث والفترة التي يعيشها الآن، وذلك عبر وضع أبطال العمل في مواقف تصنع هذه المفارقة وتدعو إلى هذه المقارنة.

ولكن قصة العمل تصلح لأي زمان ومكان، فلا ردود أفعال الشخصيات ستختلف من الثمانينيات أو العقد الثاني من الألفية الثالثة، ولا تأثرت مثلا بأحداث سياسية حدثت في هذه الحقبة، بل صناع العمل وضعوهم في أزمات حياتية عادية للغاية نتيجة لحادث السيارة.

والنقطة الأهم التي غابت عن المسلسل هي تأثر شخصياته بالأحداث التاريخية التي وقعت خلاله، حتى الافتتاحية التي بدأت باغتيال الرئيس السادات لم يتم استغلالها بما فيه الكفاية في باقي الأحداث، ولم تتكرر كذلك بعد ذلك، ليفرغ هذا النوع الدرامي من معناه، ويصبح استخدامه مجرد اختيار شكلي خال من المضمون.

مغازلة النوستالجيا
"النوستالجيا" مصطلح يعني "الحنين إلى الماضي"، الذي أصبح كلمة السر في نجاح الكثير من الأعمال الدرامية وحتى الإعلانات التجارية في السنوات الأخيرة، فالكثير من المشاهدين يرغبون في السفر إلى زمن آخر يرون أنه أكثر أصالة، أو رغبة في تجربة حياة تبدو أكثر جمالا وتألقا.

بدا الأمر واضحا مع النجاح الكبير الذي لاقاه مسلسل "غراند أوتيل" عام 2016، الذي رغم قدرته على جذب المشاهدين بالقصة المشوقة التي تمتلئ بالجرائم، والأداء المميز من أغلب ممثليه، إلا أن الجو العام والزمن الذي دارت فيه الأحداث والديكورات والملابس، كانت عامل جذب آخر مهما للغاية.

أدى نجاح المسلسل إلى رواج كبير في الفندق الذي صور به المسلسل، ولكن ذلك ليس التأثير الوحيد الذي أحدثه، فقد تلته أعمال أخرى حاولت استغلال هذا الانبهار من المتفرجين بالزمن الماضي وتفاصيله مثل "ليالي أوجيني" عام 2018. وها نحن في "ليالينا 80" الذي يلعب كذلك على وتر أن أغلب المشاهدين نضجوا أو ولدوا على الأقل في الثمانينيات، وبالتالي يحنون بصورة طبيعية إلى زمن طفولتهم.

ولكن على عكس المتوقع، أثار المسلسل غضب حتى هؤلاء الباحثين عن الحنين إلى الماضي، لأن المسلسل لم يقدم لهم الماضي إلا عبر الصورة فقط، ولم يشاهدوا أيا من معالم طفولتهم في الأحداث أو في السياقات الدرامية داخل العمل، ومن ثم لم يستطيعوا التماس مع المسلسل الذي لم يقدم لهم جديدا يذكر.

الميلودراما
لم تتمثل أزمة مسلسل "ليالينا 80" الحقيقية فقط في التزامه بشكل الثمانينيات دون البحث عن مضمون، أو في عدم قدرته على ملاقاة توقعات الجمهور، وإنما أيضا في الميل إلى الميلودراما الشديدة، أو محاولة ابتزاز مشاعر المشاهد بأي طريقة ممكنة، وذلك بجمع أكبر كمية ممكنة من المآسي والمشاكل في كل حلقة.

فعلى سبيل المثال نجد في عائلة هشام أن الأبنة تفقد بصرها، وأن أخا الزوج يفقد الذاكرة بسبب وفاة زوجته، بينما ابنته تنكره لأن زوجها قرر طلاقها لو تواصلت مع والدها، إلى جانب زواج هشام عرفيا دون علم زوجته.

هذا مجرد غيض من فيض، فكل خط درامي تجد فيه عشرات المآسي المكررة التي قدمت من قبل في المسلسلات التلفزيونية، ليشعر المشاهد أنه لا يشاهد مسلسلا دراميا عن فترة الثمانينيات، بل عملا كوميديا يعيد تدوير أخطاء مسلسلات هذه الحقبة وثيماتها المتكررة المستهلكة.

المصدر : الجزيرة

إعلان