الفنان السوداني ياسر التيجاني الذي أصبح جزءا من ذاكرة الفن السوري
ترك رحيل الفنان السوداني ياسر عبد اللطيف التيجاني المفاجئ، يوم الأربعاء الماضي، صدمة كبيرة في الوسط الفني السوري، وضجت وسائل التواصل الاجتماعي بمنشورات وتغريدات ترثي التيجاني وتذكّر بمساهماته في صناعة الدراما والمسرح في سوريا، وتصف شخصيته البسيطة التي تركت أثرا طيبا في نفوس من صاحبوه.
ولد التيجاني عام 1971 في مدينة سنّار السودانية، وبسبب مواقفه السياسية والخلافات بين السودان ومصر، لم يتمكن من متابعة دراسته في أي من البلدين، ليضطر إلى الانتقال لسوريا حيث التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، ويتخرج فيه سنة 1993 مع دفعة من الفنانين السوريين، أمثال قاسم ملحو وشكران مرتجى وغيرهما.
عمل بعد تخرجه معيدا فمدرسا مساعدا لمدة 5 سنوات، ثم مدرسا لمادة التمثيل في المعهد العالي وعدة معاهد خاصة أخرى، حتى عام 2013، إذ أرغمته ظروف الحرب في سوريا على مغادرتها والعودة إلى بلده الأم، ليقوم هناك بعدة ورشات تدعم الفن المسرحي في السودان، ما مهّد الطريق أمامه لتأسيس معهدٍ جمع شريحة من الشباب السوداني المهتم بالتمثيل.
وفي 30 سبتمبر/أيلول الماضي، توفي التيجاني في أحد مستشفيات الخرطوم بعد دخوله في غيبوبة عقب ارتفاع مفاجئ بضغط الدم.
سوداني الأصل سوري الهوى
خلال سنوات إقامته في سوريا، ألّف وأخرج عددا من المسرحيات ، منها مسرحية "الغرماء" عام 2007، كما شارك كممثل في مسرحيات "روميو وجوليت"، و"الليلة الثانية عشرة "، و"ليالي شهريار"، و"سرير ديدمونة"، ومسرحية "هاملت بلا هاملت"، مع عدد من المخرجين المسرحيين أمثال "فايز قزق" و"رياض عصمت" وغيرهما.
وكذلك في الدراما، لعب التيجاني أدوارا في عدد من المسلسلات السورية والعربية، أهمها بقعة ضوء، ومرايا، والمارقون، وصلاح الدين، وأيضا الزير سالم، والخواجا عبد القادر، ورمح النار، وكذلك ذكريات الزمن القادم، والمحروس، والحور العين، فضلا عن تل الرماد، وسحر الشرق، وغيرها من الأعمال الدرامية التي لاقت استحسان الجمهور السوري بشكل خاص والعربي بشكل عام.
لكن هذه المشاركات القليلة، لم ترتقِ إلى قدرات التيجاني "المتميز بعشقه للتمثيل وإيمانه وهوسه بالمسرح"، بحسب الممثل المخرج المسرحي بسام داود، الذي تعرف على التيجاني حينما كان طالبا في المعهد العالي للفنون المسرحية، ليتشارك معه العمل لاحقا في "ورشة إعداد الممثلين" و"محترف دمشق المسرحي".
يضيف داود في حديث خاص للجزيرة نت أن التيجاني "كان ممثلا متميزا، لأنه كان يتبنى شخصياته ويعيش أدق تفاصيلها، فضلا عن حضوره المسرحي الأخّاذ الذي يصل بتأثيره إلى عمق الذاكرة فيبقى عالقا فيها، كذلك كان يعي خلال عمله كمخرج مسرحي ماهية المسرح وتقنيات العمل عليه، ما سمح له بتوجيه الممثلين ليصل بهم إلى الهدف المطلوب في تجسيد الشخصيات".
انطلاقا من ذلك، يجد داود أن "حالة "الشللية" والتنميط الشكلي وانتشار المحسوبيات في الوسط الفني، منعت التيجاني من أن يأخذ حقه في الدراما.
ويتشارك الممثل المسرحي أيهم مجيد آغا مع بسام داود الرأي ذاته، إذ يعتبر أن "قولبة الأدوار في المسلسلات السورية وقلة الممثلين الأجانب، حدت من تنوعه التمثيلي على المستوى الدرامي"، خاصة أن التيجاني كان يتمتع ببشرة داكنة، ما حصر وجوده في أدوار محددة.
وعن شخصية التيجاني وإمكانياته، يقول مجيد آغا للجزيرة نت "جمعتني مع ياسر عدة أعمال وتجارب مسرحية في سوريا والقاهرة وبيروت وهانوفر، ومن معرفتي به أعتبره شخصا استثنائيا، لأنه من القلائل الذين استطاعوا فهم المسرح بمعانيه التقنية والفنية والأدبية، فهو ظاهرة لا تتكرر كمرجعية فنية سودانية – سورية، وقد أصبح جزءا لا يتجزأ من الذاكرة الفنية السورية".