فنان أردني يحوّل المهملات إلى قطع فنية

الفنان أحمد صبيح وصنع الأعمال الفنية من المهملات
الفنان أحمد صبيح لا يتوانى عن نبش أكوام المهملات ليعود بكثير من الغنائم التي تشكل موضوعاته الجمالية (الجزيرة)

حسين نشوان-عمّان

لا تخطئ عين الفنان أحمد صبيح ما يمكن أن تكون عليه مروحة قديمة أو قطع تلفزيون خرج من الخدمة أو مكنسة كهربائية استغنت عنها ربة البيت، من تحفة فنية تزين البيت والمكان.

ولا ينفك صبيح عند عودته من عمله في إدارة المناهج والكتب المدرسية التابعة لوزارة التربية والتعليم الأردنية من النظر والبحث والتفحص في طريق العودة للبيت عن أكوام المهملات التي حوّلت مرسمه وسيارته لمستودع للمهملات أو كما يسميها ألأشياء، وحينما يقع بصره على قطعة ما لا يتوانى عن إيقاف سيارته ونبش كوم المهملات ليعود بكثير من الغنائم التي تشكل موضوعاته الجمالية.

حتى أن كثيرا من طلبته وأصدقائه من الفنانين وحتى الجيران لم يعودوا يلقون بالمهملات في مكان النفايات، وإنما يحضرونها له، ويقترحون له ما يمكن أن تكون عليه.

سيارة الأسلاك
يستذكر أحمد صبيح المرة التي جعلته يفكر في تحويل المهملات إلى عمل فني، إذ كانت حين طلب منه ابنه صناعة سيارة من الأسلاك، وحينما أنجزها لم ترق لصغيره الذي طلب أن تكون لها أبواب وعجلات وزجاج ومقود وصندوق..، فجمع العديد من الأشياء المهملة وبدأ بحشوها في الهيكل المكون من الأسلاك، فراقت الفكرة لابنه، كما كشفت لصبيح تقنية جديدة يمارسها إلى جوار اللوحة.

ويقول صبيح الذي أقام عشرات المعارض التشكيلية في الأردن والدول العربية وأوروبا، إن مثل هذا الفن يصلح أن يكون وسيلة تعليمية للأطفال لما يتسم به من أمان ويمثل تمرينا حسيا للمتعلم وينشط خياله لاقتراح أشكال جديدة من تجميع الأشكال القديمة، وهو عدا عن ذلك يحافظ على البيئة.

ويرى أن "الأجهزة والأدوات المهملة والخردة ربما تكون فقدت قيمتها الوظيفية والأداتية، ولكنها لم تفقد قيمتها الجمالية التي منحتها حياة أخرى على قاعدة أن كل شيء منتج يهمل، إلا شيء واحد هو الفن، لأن بقاءه من بقاء التاريخ". ويعبر بأسف أن "البشر انتهت علاقتهم معها (المهملات) بعد أن انتهت مصلحتهم معها، ولكنها بالنسبة لي لم تفقد جمالها".

‪جيران صبيح لا يلقون حاليا بالمهملات في مكان النفايات، وإنما يحضرونها له‬ (الجزيرة)
‪جيران صبيح لا يلقون حاليا بالمهملات في مكان النفايات، وإنما يحضرونها له‬ (الجزيرة)

الفلسفة التي يتبناها الفنان -الذي تخرج في جامعة اليرموك مختصا بالفنون الجميلة- لا تنفصل عن شخصيته البسيطة في قناعته أن رسالة الفن لا تنفك عن البيئة وقضايا الإنسان، فقد اختار مرسمه في منطقة شعبية بحي الهاشمي الشمالي بعمّان، مؤكدا أن الجمال يتحقق في الأشياء التي تحيط بنا، وأنه "ينتمي للفن الفقير كما ينحاز لبيئته التي عاش فيها".

كانت بداية أعماله من المهملات بمجسمات صغيرة لدراجات هوائية ونارية، وسيارات، وأشخاص، منوعا بين كل تلك المواد، لافتا أنه لا يلجأ للقص أو اللحام الكهربائي أو اليدوي أو ربط الأسلاك وإنما يشبكها بالبراغي (المسامير اللولبية) التي تمتاز بالقوة والأمان، ولا يكرر العمل بالقطع نفسها بل يغنيها بتنويع الأشكال والألوان والمواد التي تثري بناء العمل.

ذاكرة الطفولة
يعود الفنان بالذاكرة لطفولته حينما لم يكن يستطع شراء لعبة فيلجأ لصنعها بنفسه، وهو ما دفعه لحمل رسالة الفن بوصفها وسيلة للتعليم والخلق والإبداع من خلال ورشات قام بها في عدد من المناطق، مستنكرا أن تسمى القطع التي يستعملها "نفايات أو زبالة"، بل يصر على أنها "مهملات"، ويطلق على المواد التي تتراكم في مرسمه من أجهزة وزجاج وخشب ومعادن وأنابيب وقضبان وشرائح إلكترونية "بيت الأيتام" لأن ليس لها أحد، كما أن علاقتها بالآخرين قد انتهت.

الفنان الذي يحضر لمعرض عن الأسرى الفلسطينيين بالأدوات المهملة نفسها لا يقبل أن يسمى عمله إعادة تدوير "ريسايكل"، لأنه لا يلغي شكل الأداة بل يضيف إليها، مميزا عمله عن اللوحة بأن ما يقوم به يعتمد على الإضافة والتجميع بينما اللوحة تقوم على الحذف.

ويقول في البداية كان شكل القطعة يقودني لموضوع العمل بينما الآن، ومن خلال الخبرة والاطلاع تمكنت من تطويع الأدوات للشكل الذي أريده وأغير اسمه وصفاته، فعلبة الحليب لا تعود كذلك حينما تشكل خصر امرأة في العمل بل تصبح جزءا من كيان مؤنسن، ممثلا على ذلك بصناعة سفينة من آلة البيانو التي لم تعد ترتبط بذاكرة الصوت بل بمشهد البحر والأمواج والسفر.

‪الأشياء‬ تفقد  (الجزيرة)
‪الأشياء‬ تفقد  (الجزيرة)

ريادة فنية
ويقول صبيح الذي صمم غلاف رواية الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي "ذاكرة الجسد"، إنه اطلع على تجارب لفنانين عالميين بعد عدد من المعارض التي أقامها منذ عام 2009، وأنه "صاحب ريادة بتجربته في الأردن".

ويتابع أن "أعمال المهملات في الغرب تجد رواجا كبيرا بخلاف ما نرى في المنطقة العربية التي تنظر للفن بالإجمال على أنه غير مجد"، ولم يخف بعض التحديات التي واجهته حينما عرض على مديرة أحد الغاليريات (المعارض) إقامة معرض لأعماله، فأجابته "لا أقيم معرضا للزبالة".

وذكر صبيح تجارب لفنانين عالميين، منهم بيكاسو وسلفادور دالي، وقد أفادا من المهملات في أعمالهما، مثنيا على عمل لفنان كندي على شكل أخطبوط من "الأكزوزتات" (عوادم السيارات)، في حديقة عامة بموطنه، وحصل الفنان على مبلغ كبير مقابل العمل.

ويعتب الفنان صبيح على الناقد التشكيلي الذي يعاين تجربة "أعمال المهملات" بخبرة اللوحة، متمثلا قولا للروائي الروسي تولستوي، إن "العمل الفني هو العمل الذي يصنع من لا شيء"، موضحا أن العمل الفني من المهملات لا تنطبق عليه شروط اللوحة ولا النحت، وإنما هو عمل بنائي يمزج بين اللوحة والنحت بروح معاصرة، كاشفا أنه يسعى في تجارب لاحقة لتطوير الفكرة إلى عمل اللوحة وبداخلها مواد من المهملات لتعطي إحساس النافر والبارز "ثلاثي الأبعاد"، الذي وصفه بأنه يناسب الجداريات.

المصدر : الجزيرة

إعلان