"أريكة فريندز" تجوب العالم.. ربع قرن على عرض مسلسل ينبض بالحياة
إيمان العسال
بعد مرور أكثر من 15 عاما على عرض آخر حلقات مسلسل "الأصدقاء" (Friends) الأميركي عام 2004، الذي استمر على مدى عشرة مواسم ناجحة، لا يزال هذا المسلسل ينبض بالحياة ويشاهده الملايين حول العالم على شبكة نتفيلكس، مستمرا في تألق حوّل أبطاله إلى مشاهير، وعلى رأسهم الممثلة جنيفر أنستون، وحتى قطع أثاثه أصبحت من الأيقونات.
من المنتظر أن تشهد عدة مدن عالمية توزيع ثلاثين "نسخة" من أريكة مقهى "سنترال بارك"، الذي كان يجمع شخصيات مسلسل "الأصدقاء" الكوميدي الشهير، وذلك بمناسبة مرور ربع قرن على عرض أولى حلقات "السيتكوم" المعروف، ومن هذه المدن جوهانسبيرغ ولندن وفينيسيا.
ويحكي المسلسل -الذي عرض أول مواسمه عام 1994- يوميات حياة ستة أصدقاء يعيشون في مدينة نيويورك الصاخبة، وهم الممثلون جنيفر أنستون "ريتشل"، وديفيد شويمر "روس"، وليسا كودرو "فيبي"، ومات لوبلانك "جوي"، وماثيو بيري "تشاندلر"، وكورتني كوكس"مونيكا".
ويصادف 22 سبتمبر/أيلول 2019 مرور 25 عاما على عرض المسلسل الكوميدي الأنجح في تاريخ الشاشة الفضية.
فرض نجاح العمل بعد كل هذه السنوات نفسه على شركة البث والإنتاج العملاقة التي "اضطرت" إلى إبرام صفقة بمئة مليون دولار عام 2018 مع الشركة المنتجة للاستمرار في بثه، وهو مبلغ يزيد بسبعين مليون دولار عن الحقوق التي اتفق عليها مسبقا إثر اعتراض الجمهور على وقف عرضه.
ما سر سحر "الأصدقاء"؟
دراسات كثيرة أجريت لبحث أسباب متابعة أجيال مختلفة له، منهم من كان طفلا وقت عرضه أو لم يولد بعد، ناهيك عن الذين عاصروه وشاهدوه مرارا وتكرارا، ولا يوجد تفسير واحد معروف مهما اجتهد المهتمون بالفن والدراما يمكن أن يكشف سر هذا النجاح رغم الدراسات الأكاديمية التي قام بها مديرو إنتاج ونقاد ومحاضرون في هذا المجال.
في محاولة جادة لتفسير ولو جزءا بسيطا من أسباب نجاحه، توّجه الناقد نيكول سبيكتور الكاتب في موقع "إن بي سي نيوز" بسؤال: "ما الذي يميز هذا العمل ليجعل نجاحه عالميا بهذه الطريقة؟" إلى خبيرة العلاقات والباحثة في مجال علم النفس الإكلينيكي الدكتورة كارلا ماري مانلي.
فأجابت "قد لا يحتوي العمل على أبطال خارقين، ولكنه يحوي ما يمكن تسميته "المكافحين الخارقين"، وهو يقدم ذلك بطريقة محببة، جو المسلسل يقدم التصرفات "الخرقاء" على أنها ليست سيئة، وأنه مهما بلغت حدة غرابة أفعال الشخصيات المليئة بالعيوب والتصرفات الحمقاء والأخطاء الكثيرة التي تقع في يوميات الحياة، فهذا لا يمنع أبدا مساندة الأصدقاء بعضهم البعض، وتبادل مشاعر الحب وتقبل الآخر في نهاية كل حلقة وموسم".
وأضافت "عندما يرى الناس صورتهم في الشخصيات يشعرون بأنهم ليسوا وحدهم وأنهم ليسوا غريبي الأطوار".
مانلي ضربت المثل بشخصية "جوي" الذي اتخذ منه أحد مراجعيها في العيادة مثلا ليصف لها شخصيته "الغريبة والكوميدية"، ثم استشهدت بشخصية "فيبي" وردودها المضحكة قائلة إن بعض الناس عندما يرون تصرفاتها يجدون بعضا من جوانب شخصياتهم غير المنطقية، فيشعرون بأنهم ليسوا غرباء أو معزولين.
الباحثة ذهبت إلى حد القول إن العديد من الناس الذين يعيشون وحدهم يقل شعورهم بالعزلة عند مشاهدة المسلسل، ويشعرون بأن الأصدقاء في المسلسل هم أصدقاؤهم أيضا.
لماذا نجح المسلسل عالميا؟
الكاتب طرح السؤال ذاته على من وصفها "بخبيرة فريندز" الكاتبة كيلسي ميلر مؤلفة كتاب "سأكون دائما إلى جانبك"، التي اقتبست عنوانه من كلمات البداية للمسلسل.
في كتابها شرحت ميلر "النقاط الثقافية المهمة" التي جعلت الناس يحبون المسلسل وقت عرضه، وصولا إلى شغف الجيل الجديد به، فقالت إن التلفاز يوثق المزاج السائد في المجتمع بكل جوانبه الاقتصادية والسياسية والأحداث اليومية، وأضافت "إبان التسعينيات كان المزاج العام يتمحور حول محاولة أن تكون متوازنا وطبيعيا ومقبولا، وشخصيات المسلسل تمثل كل هذا".
وشرحت "كل أبطال العمل كانت لديهم مشاكل عاطفية، ويبحثون عن الحب، ويطمحون إلى النجاح في أعمالهم، ولديهم مشاكل عائلية أيضا، ولكن في نهاية المطاف كل شيء كان يسير على ما يرام".
وأكدت أن هذه الأمور الإنسانية تعدت حدود الولايات المتحدة، فكان من الطبيعي أن يُشاهد في مئتي بلد حول العالم، وأن يدبلج في كثير من الأحيان بلغة البلاد التي يعرض فيها.
وأوضحت ميلر أن نوعا من الشعور "بالحنين" أعاد المسلسل إلى المقدمة عام 2014، وهي دورة زمنية طبيعية للـ"نوستالجيا" إلى منتصف التسعينيات، وأشارت إلى أنه رغم ذلك لم يتوقف بث مسلسل الأصدقاء منذ نهايته عام 2004، لأنه لبى كثيرا مما أراد الجمهور مجاراته مثل "الملابس وقصات الشعر الشهيرة، وهناك دراسات ذهبت إلى أبعد من ذلك، إذ أكدت أن الناس تأثروا بطريقة كلام الشخصيات والنكات التي كانوا يطلقونها، وأصبحت جزءًا من الحوار اليومي بين الأفراد".
ميلر شرحت في إجابتها أنها إذا أرادت تفسير النجاح في نقطة واحدة سيكون مفتاحه في مفهوم "الصداقة"، قائلة "كل العمل يدور حول قيمة الصداقة، وكيف هي تجربة أن يكون لك أصدقاء، رغم أنها في الواقع ليست بالطريقة "الساحرة" التي ظهرت في العمل، كما أنه في مرحلة الشباب يكون أثر الأصدقاء على حياتنا أكبر من أي شيء آخر، وهذا الأمر لا يتعلق بمرحلة التسعينيات، بل بمرحلة من أعمارنا، وهذا ما جعل العمل قويا لدى المتلقي".